“من تأنّى نال ما تمنّى”. والتمني أثمر نجاح الناظم في إلغاء الفوارق بين أطياف المنظومة التي امتثلت في معادلة الفساد مقابل السيادة والميليشيا. ومن ثم الامساك بكل الخيوط حتى يحركها بما يتوافق ومشروعه.
و”كلهن يعني كلهن” مديونون لهذا الناظم الذي أمن لهم استمراريتهم. فهو بادر إلى العمل وبسرعة على تفخيخ التحرك الشعبي الرافض لهم بكل الأساليب الفعالة، سواء عبر العدوان الذي شنته جحافل “شيعة… شيعة” وإحراق الخيم وتخوين القيادات النظيفة من الاصطفافات العلنية والضمنية. او عبر لعبة الإلهاءات التي لا تزال عروضها مستمرة وبنجاح منقطع النظير، بداية من حجب أموال المودعين عنهم، ومن ثم عبر مؤامرة الدعم لتمويل المحور وأذرعه من أموال المودعين أيضاً وأيضاً، وبالتزامن مع إختلاق الأزمات، وصولاً الى إخفاء الدواء وحليب الأطفال وطوابير ذل الحصول على البنزين.
وفي حين يخطئ من يتصور أن الأزمة الحكومية مبنية على خلافات بشأن تسمية الوزراء والثلث المعطل، لا بد من العودة إلى سبب إقدام الرئيس المكلف سعد الحريري على إعلان نفسه مرشحاً طبيعياً لهذه المهمة. فهو، وبالتأكيد لم يكن ليقدم على هذه الخطوة لولا حصوله على تشجيع ضمني ودعم بتذليل الصعوبات من الناظم، وتحديداً لجهة الصعوبات المتوقعة من “رئيس الظل” والصهر العنيد والسعيد بتحوله إلى بندقية للتصويب على كل من يجب أن يعرف حده ويقف عنده.
لكن الحسابات الحريرية التي أظهرته في مطلع مراحل التشكيل ضحية، سرعان ما تلاشت، ليصير طرفاً من أطراف التعطيل. ويستفحل التنابذ في الجانب الشخصي لتترسخ معادلة الطرفين اللذين لا يمكن لهما الاتفاق على حكومة من أي شكل او لون. والشخصي لا تنفع فيه التسويات التي تتطلب تنازلات. اذ إن كل تنازل هو هزيمة لا تناسب الاستحقاقات المقبلة. وأولها الإنتخابات النيابية المرتقبة.
ولعل دعم الحريري لدفعه إلى إعلان نفسه مرشحاً طبيعياً، وعدم ارغام باسيل على عدم وضع العصي في دواليب التأليف وتركه يجول ويصول ويتمسكن حتى يتمكن، هو خطوة بإتجاه تشديد قبضة الناظم على المنظومة أكثر فأكثر. كذلك تفتح هذه الخطوة شهية المسترئسين إن لقصر بعبدا أو للسرايا على تقديم أوراق الإعتماد بما يرضي الناظم ومحوره، بانتظار أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ولم تنته مهمة الناظم عند حدود الرئاسة الثالثة، لتصل إلى الرئاسة الثانية، بعد إصدار نصيحة الاستعانة بصديق، وتسميته بالإسم، ليغطس رئيس مجلس النواب نبيه بري في مغطس التواجه مع الرئاسة الأولى وملحقاتها من الصهر الى المستشارين، ما يجعل جبهة “الثنائية الشيعية” موضع التباس، لا سيما بعد حرب البيانات التي حولت بدورها الصديق الى طرف من أطراف النزاع.
وهكذا استوت معادلة “كلهن يعني كلهن” التي انساق اليها أبطال المنظومة وفق تطلعات الناظم الحاضر ليحتضن المتظلمين ويفتي بينهم، ويُبقي الجميع في صف أفقي. ممنوع على أي منهم أن يتجاوز الصف لا تقدماً ولا تراجعاً.
وهكذا نال الناظم ما يتمنى وفق متطلباته في هذه المرحلة من الانهيار بإتجاه جهنم.
أما المواطن الذي لم يعد يحسب حسابه الناظم، فله رحمة الله وصناديق الاقتراع ان قرر تغليب مستقبله ومستقبل أولاده على المحسوبيات الفردية وغرائزية “بالروح بالدم نفدي الطائفة والزعيم”.