يستكمل مشاوراته… وعون مُوافق على وزيرين محايدين لـ «الداخلية» و<العدل» –
بعد اللقاء الثالث الذي جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بالرئيس المكلّف نجيب ميقاتي في قصر بعبدا لمواصلة التشاور والنقاش في الصيغة الحكومية التي اقترحها ميقاتي فيما يتعلّق بتوزيع الحقائب على الطوائف، جرى تحديد موعد اللقاء الرابع بين الرجلين يوم الإثنين المقبل، ما يُشير الى أنّ إمكانية ولادة الحكومة الموعودة قبل الرابع من آب المقبل، تقلّصت بنسبة كبيرة، لا بل أصبحت معدومة.
كذلك فإنّ تأجيل الموعد من الخميس الى الإثنين بعد أن كان ميقاتي مستعدّاً لأن يزور القصر الرئاسي بشكل يومي، يوحي بأنّ عون – ميقاتي يحتاجان لبعض الوقت لدراسة ما طرحه كلّ طرف على الآخر، أو أنّ الرئيس عون استمهل ميقاتي للبحث في آخر المقترحات التي عرضها عليه. غير أنّ المعلومات أشارت الى أنّ ميقاتي واصل منذ الجمعة المشاورات مع الكتل النيابية التي ترغب بالمشاركة في الحكومة الجديدة وسيستكملها خلال «الويك – أند»، وتتناول مسألة توزيع الحقائب على الطوائف دون الخوض في الأسماء. ولأنّ لا توافق أكيد حتى الساعة، لا على «مبدأ المداورة» ولا على وزارتي الداخلية والعدل، ولا على الثلث المعطّل ولا على تسمية الوزراء المسيحيين، هذه العقد التي حالت دون توافق عون والرئيس المكلّف الأسبق سعد الحريري، فإنّ الاسبوع المقبل سيوضح الصورة أكثر إذا ما كانت الأمور ستتجه نحو التوافق على تأليف الحكومة، أو أنّ بداية عرقلة التشكيل بدأت تلوح في الأفق.
مصادر سياسية عليمة أكّدت أنّ العقد لا تزال هي نفسها، وهذا أمر معروف منذ أن أعلن «نادي رؤساء الحكومات السابقين» عشية الإستشارات النيابية المُلزمة تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة، وإصداره البيان الذي شدّد فيه على الشروط نفسها التي وضعها الحريري، لا سيما تأليف حكومة من المستقلّين غير الحزبيين وأصحاب الإختصاص بعيداً عن تسلّط القوى والأحزاب السياسية، على أن لا يكون فيها أثلاث معطّلة، على ما ورد في البيان، تدفعها الى الإستقالة. وهذا يعني بأنّ ميقاتي لن يحيد عن الخط الذي رسمه «النادي» ولن يُخفّض بالتالي السقف الذي يُحافظ فيه، من وجهة نظر رؤساء الحكومات السابقين، على حقوق الطائفة السنيّة.
ولهذا فإنّ ميقاتي الذي يجيد تدوير الزوايا طرح تسويات منطقية ومقبولة من قبل الطرفين، على ما لفتت المصادر، منها تأجيل البحث في إيجاد مخرج للخلاف على الحقائب السيادية، فضلاً عن حقيبتي العدل والطاقة اللتين لا اتفاق حتى الساعة عليهما، غير أنّ إرجاء البتّ بهذه الحقائب لا يعني تجاوز الخلاف إنّما استهلاك الوقت في الأمور المتوافق عليها وحسمها قبل طرح الأسماء. كذلك اقترح ميقاتي أن يكون وزيرا الداخلية والعدل من الشخصيات المحايدة، ويبدو أنّ عون موافق على هذا الطرح.
وتقول المصادر بأنّه وإن كان ميقاتي مرن أكثر من الحريري في التعاطي مع عون وفريقه السياسي أي رئيس «التيّار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل، الا أنّه بحسب ما توافق عليه مع نظرائه السابقين، لن يتنازل عن وزارة الداخلية للرئيس عون، حتى قبل كلام باسيل الأخير عن «ما حدا يفكر فيو يحرقنا وما نحرقو» الذي حمل تهديداً مبطّناً لميقاتي وسواه. ولكن إن توافق عون- ميقاتي على تسوية ما، فمن الممكن أن يتشاركا أو يتوافقا على تسمية شخصيّة سنيّة مقبولة من الطرفين، لما لهذه الوزارة من أهمية في المرحلة المقبلة. فإذا لم تحصل الإنتخابات النيابية في موعدها في الربيع المقبل، والإنتخابات الرئاسية في تشرين من العام المقبل (2022) فإنّ وزارة الداخلية التي تضمّ الأجهزة الأمنية في البلاد بإمكانها الإمساك بزمام الأمور في ظلّ الفراغ الذي قد يفرض نفسه على الساحة اللبنانية.
وتقول المصادر بأنّ إصرار كلّ فريق على الحصول على وزارة الداخلية يهدف لكسب المزيد من الضمانات المستقبلية، على ما أوضحت، وإن كانت وزارة الدفاع أيضاً التي تضمّ قيادة الجيش والمؤسسة العسكرية لا تقلّ أهمية عن الداخلية، غير أنّ تنازل ميقاتي عن «الداخلية» للرئيس عون سيُعتبر من قبل الطائفة السنيّة خسارة إضافية، بعد «خسارة» الحريري للحكومة عبر الإعتذار عن تشكيلها. وإذا كان ميقاتي يريد، على ما هو واضح حتى الآن، الإحتفاظ بالداخلية، على غرار سلفه، فهذا يعني بأنّ مبدأ مداورة الحقائب السيادية لن يُطبّق، ولن تكون وزارة المال هي المستثناة منه.
كذلك الأمر فيما يتعلّق بالأسماء وبتسمية الوزراء المسيحيين، فمن سيُسمّيهم في ظلّ عدم مشاركة «التيّار الوطني الحرّ» في الحكومة الجديدة، على ما أعلن باسيل، ومقاطعة «القوّات اللبنانية» و»الكتائب اللبنانية» لها، ومشاركة «تيّار المردة»، وكتلة النوّاب الأرمن، وبعض المستقلّين؟ فالرئيس عون، بحسب رأي المصادر عينها لن يقبل بأن يُشاركه ميقاتي في تسميتهم أو أن يفرض عليه بعض الأسماء التي تدخل ضمن الحصّة الرئاسية.
وبرأي المصادر، إنّ الحكومة التي يُفترض أن يُشكّلها ميقاتي بالشراكة والتعاون مع عون، لا بدّ وأن تكون «حكومة ثقة»، أي أن تنال ثقة الشعب اللبناني أولاً، والمجتمع الدولي ثانياً، وليس حكومة الإنقاذ، لأنّه عندها قد تُحمّل أعباء أكثر من تلك التي يُمكنها القيام بها خلال المهلة المتبقية لها حتى استحقاق الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل. وفي حال نجح ميقاتي في كسب هذه الثقة من الداخل والخارج، وأتقن التفاوض مع صندوق النقد الدولي وجلب المساعدات والأموال التي يحتاجها لبنان للنهوض مُجدّداً، ووضع خطة إقتصادية إنقاذية طويلة الأمد من شأنها إعادة العجلة الإقتصادية الى النمو، فإنّه يكون قد ضَمَن بقاءه في السراي الحكومي الى ما بعد انتهاء عهد عون.
ولكن، إذا عُلّقت المشاورات بين عون وميقاتي بسبب العراقيل نفسها التي أعاقت مهمة الحريري في تشكيل الحكومة، فإنّ الخشية تكون بأن يسلك ميقاتي بعد ذلك خط الإعتذار عن التشكيل. فرغم الضمانات الخارجية التي يتسلّح بها الرئيس المكلّف، على ما لفتت المصادر، الا أنّ أي تسوية دولية أو إقليمية لم تظهر الى العلن. ويُمكن القول بأنّنا نشهد الفصل الأخير من المفاوضات الأميركية- الإيرانية سيما وأنّ الإتفاق على اليمن وبعض ملفات المنطقة لم يتمّ بعد. ولهذا، فإنّ لا ضوء خارجي محسوم حتى الساعة بشأن التسريع في تشكيل الحكومة، ولهذا على المسؤولين اللبنانيين الإنتظار لشهر أو أكثر الى حين تبلور الموقف الخارجي فيما يتعلّق بالوضع الداخلي اللبناني.
وتقول المصادر عينها بأنّ و أو الموقف السعودي أيضاً لا يزال يتأرجح، كون المفاوضات مع الجانب الإيراني لم تنتهِ بعد، ولم تتوصّل الى اتخاذ موقف مشترك حول تسوية ما في تشكيل الحكومة الجديدة. هذا الى جانب الموقف الروسي الذي سيكون له دور ما في دول المنطقة، فضلاً عن الدور الصيني والتركي وسواها، والتي من شأنها أن تُفضي الى تسوية دولية إقليمية تشمل لبنان ومنطقة الشرق الأوسط.