قمة البؤس أن نحاول حجب الضعف بالاستقواء على بعضنا بعضاً، وهو عملياً استقواء على لبنان واللبنانيين. ومن الوهم تغطية المشهد المكشوف بالتشاطر: الإمبراطور بلا ثياب. ونحن ضحايا معارك تبدو كأنها أسماء مستعارة لمعارك أخرى. فالإجماع الداخلي والخارجي على المطالبة بالإسراع في تأليف حكومة هو عنوان عريض تقع تحته عناوين الإختلاف بين الأطراف على ما يريده كل طرف من الحكومة وفيها ولها. وتكبير الصراع على الحكومة يوحي أن التأليف معركة في حرب لبنان المتجددة بوجوه قديمة وأخرى جديدة.
ومن المفارقات أن يقودنا الصراع على الصلاحيات والتفسير الواضح في الدستور بما هو غامض الى أن نعالج أزمة حكومة بأزمة حكم وربما أزمة نظام. لا على قاعدة: إشتدي أزمة تنفرجي، والقدرة على التوصل الى حكم أفضل في نظام ديموقراطي حقيقي، بل وسط التحذير الفرنسي والعربي والأميركي من “زوال” لبنان. شيء من معالجة خلاف على حصص بوباء مثل كورونا. فلا أحد يضمن أن تؤدي المطالبة بتعديل الدستور الى نظام متقدم. وعلى العكس، فإن موازين القوى الحالية تقود، بطبائع الأمور، الى نظام أسوأ.
والأفظع هو الإصرار على حرمان لبنان من بناء مشروع الدولة وإبقائه تحت سلطة تصنع أزماته وتلعب بها وتأخذه بالقوة الى التخلي عن جوهره والقطيعة مع أشقائه العرب وأصدقائه الدوليين. لماذا؟ لكي يكون جبهة أمامية في محور”الممانعة والمقاومة” ومن أجل أن يخدم مسار طرفين: واحد يعمل لمشروع إقليمي تقوده إيران المحكومة بنظام ثيوقراطي من عصر آخر. وثانٍ تتركز اهتماماته وأولوياته على ضمان الإستمرارية للأدوار في السلطة اليوم وغداً والى بعد غد.
ولا شيء يوحي، بالأعمال لا بالأقوال، أن اللاعبين يتوقفون أمام خطورة أن تدور اللعبة على مسرح ينهار سياسياً ومالياً واقتصادياً، وتدار بدم بارد فوق بؤس اللبنانيين ومآسيهم. فهم ليسوا خائفين من أي حراك داخلي على أساس أن الثورة مستحيلة في لبنان، وإثارة العصبيات الطائفية والمذهبية ممكنة في كل وقت وقادرة على أن تكون أقوى من الجوع. وليسوا مضطرين، في مثل هذه الحال، للإصغاء الى الخارج الذي يحض على الإسراع في تأليف حكومة إنقاذية لتأتيها المساعدات. ما يريدونه هو المساعدات من دون إصلاحات مطلوبة داخلياً وخارجياً. وما يسمعونه يومياً هو تكرار القول: لا مساعدات من دون حكومة وإصلاحات بنيوية والتوقف عن الفساد والسرقة.
والمعادلة عبثية: حرب سياسية لتعطيل التشكيل. حرب سياسية لضمان التعطيل عند الحاجة في حال جرى تشكيل الحكومة. وحرب سياسية على طاولة الحكومة. والخارج يقول ان اللبنانيين ليسوا متروكين، لكنهم متروكون من اللاعبين في الداخل.
أليس ما ينطبق علينا هو الحديث المأثور: “هناك قوم يقادون الى الجنة بالسلاسل”.