بعد الأخذ والرد والنفي والتوضيح، حسم رئيس الجمهورية ميشال عون موقفه وقبيل ساعات من مغادرته القصر الجمهوري، من موضوع التوقيع على مرسوم قبول إستقالة الحكومة، بالقول إنّه «ليس هناك من نص دستوري يشترط ذلك، بل إن المسألة متعلقة بالأعراف، ويمكن خرق العرف».
فما الذي تغيّر بعدما وُضعت التسريبات التي تحدثت عن نيّته توقيع هذا المرسوم، «في إطارالتشويش المتعمد والإساءة الممنهجة لموقع الرئاسة وشخص الرئيس»، وفق بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية الصادر صباح الأحد الفائت في 23 الجاري؟
وكيف يقرأ فقهاء الدستور والقانون هذه الخطوة غيرالمسبوقة في لبنان في حال تم اللجوء إليها؟ لا سيما وأنّ الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال وفقاً للنص الدستوري، وذلك منذ بدء ولاية المجلس النيابي مع العلم أنّ صدورمرسوم قبول الإستقالة هو مرسوم إعلاني لا ينشئ حالة جديدة.
يصف البعض هذه الخطوة بالـ»هرطقة» التي لا أساس دستورياً لها، لأنه في حال صدر مرسوم قبول الإستقالة من دون مرسوم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، فسيبقى ميقاتي رئيس حكومة تصريف أعمال.
وطالما تحدّث عون عن العرف، فإنّه وفقاً للعرف الدستوري المستقر منذ زمن طويل، يقوم رئيس الجمهورية بقبول إستقالة الحكومة شفهياً كما يطلب من رئيس الحكومة شفهياً أيضاً تصريف الأعمال إستناداً إلى الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور، ولدى تشكيل حكومة جديدة، يصدر رئيس الجمهورية ثلاثة مراسيم في آن واحد: الأول يقبل فيه إستقالة الحكومة بدون توقيع رئيس الحكومة عليه، والثاني يكلّف فيه رئيس الحكومة تشكيل حكومة جديدة ويوقعه الرئيس أيضاً منفرداً، أمّا الثالث فهو مرسوم تشكيل الحكومة والذي يوقعه الرئيسان معاً.
وترى مصادر دستورية وقانونية أنّ إصدار مرسوم قبول الإستقالة قبل مرسوم التكليف من شأنه إدخال البلد في الفراغ الدستوري، لا سيما إذا صدر المرسوم في آخر يوم من ولاية الرئيس كما يُخطط، حيث يؤدي ذلك إلى شلل في الحركة السياسية في البلاد وتعطيل دورة الحياة الإدارية، وهكذا إجراء يُشكّل خرقاً فاضحاً للدستور ويُعرض الرئيس للمساءلة سنداً للمادة 60 من الدستور.
وبمعزل عن الإجتهادات الدستورية التي تُحاول ربط هذا الإجراء بموضوع نقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى الحكومة في حال الشغور، فإنّ الثابت برأي الدستوريين والحقوقيين هو أنّ صدور مثل هكذا مرسوم لا يُنشئ حالة جديدة، إنما هو مرسوم إعلاني لحالة قائمة وموجودة والمطلوب هو إنجاز الإستحقاقات الدستورية في مواعيدها وعدم التفتيش عن مبررات وإجراءات إستثنائية تخلق أعرافاً جديدة في البلاد.
وتعتبر المصادر أن صدور هذا المرسوم لا يُغيّر شيئاً في الوضع الدستوري، لا للحكومة ولا للرئيس، فالحكومة ستواصل ممارسة واجباتها في تصريف أمور البلاد بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، وأي كلام غير ذلك هو إجتهاد في غير محله وتزوير للواقع الدستوري.
وإذا كان هذا المرسوم له قيمة دستورية لجهة توصيفه، إلا أن خرق الأعراف الدستورية والقانونية المعمول بها قد يؤدي إلى نسف الدستور وشل وتعطيل البلاد، إذ لا يجوز أن تترك البلاد بلا إدارة مسؤولة مهما كانت الظروف وإلا نكون في وضعية إنقلاب تتطلب تعليق الدستور.
وفي السياق، يقول مرجع حقوقي لـ»نداء الوطن» إنّ كل الإجتهادات والمحاولات التي تجري تُركّز على الإجراءات الإستثنائية التي تتجاوز الدستور، وهذا يقتضي ربما بعد إنتهاء ولاية الرئيس عون وتشكيل هيئة وطنية مهمتها العمل على إزالة كل الممارسات الخاطئة التي تمت خارج الدستور لكي لا تبقى في أذهان الناس.
وتتساءل المصادر: لنفترض أنه تم تشكيل حكومة كما يريد الرئيس عون و»التيار الوطني الحر» وانتهت ولاية رئيس الجمهورية وتعرض رئيس الحكومة لأي مرض أو توفي، فمن يديرالبلاد؟ أليست الحكومة؟ طبعاً لأنه لا يمكن ترك البلد بلا مسؤولية. ولنفترض أيضاً أنّ ثلث عدد النواب تقدّم بإستقالته من مجلس النواب ولم يعد المجلس قادراً على إنتخاب رئيس، حسب الأصول الدستورية، فمن يدير ويُشرف ويُنظم الإنتخابات؟ الحكومة طبعاً بمعزل عن طبيعة هذه الحكومة إذا كانت تصريف أعمال أو غير ذلك لأنها السلطة المسؤولة عن إدارة شؤون البلاد، إلّا إذا كان الهدف من كل ما يجري هو تنفيذ أجندة تستهدف ضرب الدستور ونسفه والذهاب نحو مؤتمر تأسيسي أو نظام جديد.
في الخلاصة، إذا كان من الممكن خرق الأعراف، وفق تهويل الرئيس عون، فلماذا بقيت مراسيم تعيين الكثير من الناجحين من شباب وشابات لبنان في مباريات مجلس الخدمة المدنية في أكثر من موقع بلا توقيع، علماً أنّ توقيعها لا يُشكل خرقاً للأعراف كونها قانونية مئة بالمئة؟