Site icon IMLebanon

قرارات حكومية فورية لوقف الإنحدار؟

 

لا التصريحات والمزايدات، ولا التظاهرات والإحتجاجات، باتت كلها لا تنفع في الأزمة المالية المتفاقمة، يوماً بعد يوم، والتي تحتاج إلى رؤية وقرارات جريئة لوقف إنحدارها الرهيب.

 

الحكومة أصبحت أمراً واقعاً، وسلطة تنفيذية تتمتع بكامل صلاحياتها الدستورية، والكلام عن تركيبتها وهويتها لم يعد يُفيد، والتشكيك بقدرة الوزراء ورئيسهم أصبح أشبه بالثرثرة التي لا هدف منها سوى إضاعة المزيد من الوقت، الذي أصبح يُقاس بالساعات والدقائق، مع إقتراب إستحقاق آذار الملياري.

 

لو كان عندنا الحد الأدنى من مواصفات رجال الدولة، لكان تم إعلان حالة طوارئ إقتصادية، وتشكيل خلية أزمة من خبراء محليين ودوليين، وإصدار قرار بتعليق العمل بالموازنة، وتوقيف كل إنفاق غير مجدي، وإتخاذ سلسلة قرارات جريئة تؤكد وقف الهدر والإنفاق غير الضروري، مثل تخفيض مخصصات ورواتب الرؤساء والوزراء والنواب بمعدل الثلث على الأقل، وإيقاف رواتب النواب السابقين، وتخفيض إيجارات المباني التي تشغلها الدولة بنسبة عشرين بالمئة، ووقف بدل ساعات العمل الإضافية للموظفين، لا سيما مخصصات حضور مجالس الإدارة واللجان، والتي تزيد تنفيعاتها عند البعض عن الراتب الأساسي! مسلسل التدابير التقشفية الجدية طويل ومتشعب، يكفي أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، منع سفر الوزراء وكبار المسؤولين بطائرات خاصة لحضور مؤتمرات «شم الهوا» و«الشوبينغ»، وفرض سفر الوزراء بالدرجة الأولى على حسابهم الشخصي، وكذلك أفراد عائلاتهم ومرافقهم، وشطب المخصصات المليونية للمهرجانات الفولكلورية ، التي تحولت إلى تنفيعات شخصية لزوجات المسؤولين والسياسيين، وإعادة النظر بحجم السيارات الفارعة والفخمة لكبار الموظفين، مدنيين وعسكريين، وإعتماد ما يتناسب مع قدراتنا المالية الحالية، وما تقتضيه الظروف الصعبة من توفير في مصاريف الصيانة والمحروقات ملايين الدولارات سنوياً.

 

مثل هذه التدابير الصغيرة والفورية والسريعة لا تحتاج إلى تنظير أو بحث وتمحيص، بقدر ما بحاجة لشجاعة في إتخاذ القرارات الإصلاحية بالسرعة اللازمة، لإيصال الرسالة المناسبة للدول الداعمة تؤكد جدّيتنا بالإصلاحات المالية والإدارية، وبدء إطلاق ورشة العمل فوراً.

 

طبعاً هناك خطوات أكبر، وأكثر أهمية، تحتاج إلى بعض الوقت لإقرارها، مثل ملف الكهرباء والخطوات الضرورية لإيقاف نزف الملياري دولار سنوياً، دون تحقيق أي تقدم في ساعات التغذية، التي تتراجع فترة بعد أخرى في بعض المناطق، فضلاً عن أهمية إعتماد الغاز بدل الفيول في المعامل الحالية، والتخلص نهائياً من عصابة الفيول أويل والملايين المنهوبة سنوياً، ومنذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً. إلى جانب إعادة تركيب إدارات بعض المؤسسات العامة، مثل الكازينو وبنك إنترا والمؤسسات التابعة لإنترا، لتحسين عائداتها، وتصبح على مستوى أداء شركة طيران الشرق الأوسط، بعد النجاح الذي حققته العملية الإصلاحية الوحيدة للدولة في عهد ما بعد الطائف، التي قادها محمد الحوت بجسارة، ونقلت الشركة من واقع الإفلاس، إلى مستوى الشركات الرائدة ، بإعتراف رؤساء شركة «آير باص» العالمية.

 

هذه القرارات الفورية والسريعة، لا تقلل من أهمية وخطورة الخطوات الإصلاحية المفترض من الحكومة إنجازها بالسرعة المطلوبة، وفي مقدمتها إيجاد الحل المناسب والمقبول من كل الجهات لمسألة تسديد سندات اليوروبوند التي تستحق في التاسع من آذار المقبل، إلى جانب العمل على وقف التدهور العشوائي لسعر صرف الليرة، والذي تحول إلى كابوس يومي في حياة اللبنانيين، دون القفز فوق ضرورة تنظيم العلاقة بين المودعين والمصارف، بعدما تفردت الأخيرة بإتخاذ خطوات تعسفية من جانب واحد، دون مراعاة ظروف المودعين الإنسانية والعائلية، فضلاً عما سببته من إرباكات في أوساط القطاعات المنتجة، حيث أضطر العديد منها إلى التوقف عن العمل وتسريح العمال والموظفين، ورفع مستويات البطالة إلى نسب غير مسبوقة في تاريخ الإقتصاد اللبناني.

 

الكل يدرك أن البلد، وليس الحكومة فقط، يواجه مرحلة مصيرية وحاسمة من التحديات والصعوبات، إذا تتوافر جهود الجميع في عملية الإنقاذ، وإستعداد السياسيين للتنازل، وتمكين الدولة من إسترداد بعض الأموال المنهوبة، وتحقيق الإصلاحات المنشودة، عندها لا أمل للبنانيين بالخروج من هذا النفق المظلم سالمين!