لن تأتي جلسة المناقشة العامة المقرَّرة اليوم بأيّ مفاجآت. فالحكومة التي تشكل مجلساً نيابياً مصغّراً لا ترى في المجلس مَن يخاصمها العداء ما عدا أعضاء كتلة نواب حزب الكتائب وبعض النواب المشاكسين المسيحيين تحديداً ما قد يجعل الجلسة نوعاً من الحوار مع المرآة. لكنّ الأهم ما هو متوقَّع بعدها؟ وما الذي يمكن أن تقود اليه؟
قبل ساعات على انعقاد الجلسة النيابية العامة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لمناقشة الحكومة لم يشعر أحد أنّ هناك حدثاً جللاً في البلد وأنّ الحكومة التي عبرت أمس على تشكيلها يومها الثامن بعد المئة لا يمكن محاسبتها.
فهي لم تخطئ بعد ولم تنجز سوى الحدّ الأدنى مما هو مطلوب القيام به في أول العهد لتشكيل إدارته وتعيين رجالاته في المواقع الإدارية والعسكرية لتحقيق ما تعهّد به رئيس الجمهورية في خطاب القسم.
فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقبل أن تؤلَّف هذه الحكومة، وفي أثناء الإستشارات التي عبرتها قال صراحة إنه لا يحتسبها «حكومة العهد الأولى». وإنّ حكومته الحقيقية هي التي ستؤلف بعد الإنتخابات النيابية، ما جعل من هذه الحكومة مجرد «حكومة انتقالية» ولفترة أرادها قصيرة.
فرئيس الجمهورية كان يمنن النفس في بداية عهده بإمكان الوصول الى قانون انتخابي جديد يعزّز قوته الداخلية على كل المستويات تمهيداً للإتيان بمجلس نيابي تحكمه سلسلة اوراق «التفاهم» و»النيات» التي بناها واحدةً بعد أخرى سمحت بوصوله الى قصر بعبدا بطريقة لا يرقى اليها شك سياسي أو دستوري.
ففي ظل الإنقسام اللبناني العمودي الذي كان قائماً الصيف الماضي بين محورَي 8 و14 آذار وما يمثلانه. لم يكن وارداً عند أيّ ديبلوماسي أو أيّ قيادي أو مسؤول لبناني إمكان وصول عون الى قصر بعبدا حتى بلغت بهم الحال اعتبار أنّ مثل هذه الواقعة «من سابع المستحيلات». ولكنّ الرياح التي جرت بما لا تشتهي السفن، عاكست كل التوقعات وما لم يكن محسوباً فقد تحوّل واقعاً.
فقد حفر عون ومن أراده في قصر بعبدا الجبل المؤدي الى القصر بإبرة. وبقدرة قادر استدرج الخصوم قبل الحلفاء الى ساحة النجمة لإنتخابه رئيساً. فاحتفلوا بـ «فرح عظيم» في المواقع والساحات بعدما اعتبروا ما حصل انتصاراً لا سابق له لـ 14 آذار متجاهلين سلّة من الشعارات والعناوين التي حكمت مواقفهم لإثني عشر عاماً وتجاوزوا كل أشكال النزاع والمواثيق واوراق العمل.
ليس في ما سبق من عرض للتطورات بما حملته من مفاجآت سوى الإشارة الى أنّ البلد الآن في مكان آخر لا وجود فيه لقوى 8 أو 14 آذار. فالأولى تفككت نهائياً والثانية ألقت عن كاهل مَن قادها الأثقال التي نمت عن يمينه ويساره وبات الحكم في عهدة مجموعة جديدة محكومة بسلسلة من اوراق «التفاهم» و«النيات» وبنت معادلة جديدة تمّ تركيبها بنحو جعل من الحكومة مجلساً نيابياً مصغّراً.
ومن هذه الخلفية بالذات يمكن فهم ما رافق تشكيل الحكومة من تقاسم للحقائب والنفوذ. فأُبعِدت من الحكومة كل القوى والشخصيات التي لم تركب «موجة التفاهمات» فتركت على الشاطئ وحيدة لتبحر الأكثرية الجديدة بالبلاد في بحر من الغموض يفتقد خريطة طريق واضحة.
بدليل عجزها عن وضع قانون جديد للإنتخاب فتجاوزت كل المهل الخاصة بالإنتخابات النيابية وتستعد لمجموعة من الإجراءات غير الدستورية التي يظلّلها التوافق السياسي.
عند هذه الملاحظات، ومنها، يمكن فهم ما ستكون عليه جلسة المناقشة التي دعيت اليها الحكومة التزاماً بما لهذا المجلس من حق في المساءلة والمحاسبة. ولذلك تطرح مجموعة من الأسئلة المتوقعة.
ومنها على سبيل المثال: هل إنّ المجلس سيحاسبها على خلفية فشلها في وضع قانون جديد للإنتخاب وعدم إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها؟ أم عدم الوصول الى حلّ دائم ومستدام للنفايات؟ أم لسبب تعثّرها في إقرار سلة الرسوم والضرائب الخاصة بتمويل سلسلة الرتب والرواتب والبت بالموازنة؟
وعند البحث عن الأجوبة على هذه الأسئلة، يمكن أن تنقلب الادوار، وعندها يمكن للحكومة أن تسأل المجلس عن الفشل في البتّ بأيّ من هذه الملفات.
فهي أُدرِجت على جداول اعمال جلسات تشريعية وأخرى على مستوى اللجان النيابية منفردة ومشتركة. وما زال مدعوّاً الى البت بها بعد فشل كل التجارب السابقة ابان الشغور الرئاسي وقبله وبعده.
وعلى هذه الأسس، يمكن اعتبار جلسة اليوم حواراً بين الحكومة والمجلس النيابي وما بين كل منهما على انفراد مع مرآته؟ وهو ما يدلّ في وضوح على أنّ لهذه الجلسة وظيفة تتعدى مهمة المؤسستين التشريعية والتنفيذية ربما الى فتح نافذة على حل اصعب الملفات وأكثرها إلحاحاً.
وهو ما يطرح السؤال هل ستسهل هذه الجلسة الطريق امام الحكومة لوضع قانون انتخاب جديد يشكّل مخرجاً للمأزق الذي ينتظره مشروع التمديد للمجلس والحكومة معاً الى حين، من دون الخروج عن الدستور والحؤول دون فراغ نيابي لم تشهده البلاد من قبل، مخافة أن ينتج سلسلة من الأزمات السياسية والدستورية الخطيرة التي يمكن أن تقود البلد الى مسلسل أمني غير مستبعد؟.
قبل أن يأتي الجواب من الحكومة أو من المجلس، لا يمكن تجاهل الاعتراف بأنّ كلّ الخيارات مفتوحة في ظلّ الفشل المتمادي في إدارة شؤون البلد والناس وأنّ الأيام ستثبت ذلك.