IMLebanon

الثوب الحكومي وحرير الصين

دولة الرئيس الحريري:

لا بدّ أولاً: من الإعتراف بأنّ لبنان لولاك لما كان فيه رئيس، ولما كان كبار الأسياد عندنا عبيداً لوزارات إسمها الوهمي سيادية.

ولا بدّ ثانياً: من الإقرار بأنك سجَّلتَ لنفسك في طريق الزعامة خطوة جريئة تخطَّتْ بعضاً من آثار الأقدام الوراثية، لأن من شروط الزعيم ألَّا يهبط منقاداً الى مستوى الجمهور العاطفي بل أن يرفع الجمهور الى مستواه العقلي.

وأذكّرك ثالثاً: بالبيان الوزاري لحكومة الإستقلال الأولى الذي أعلنه الرئيس رياض الصلح في 7 تشرين الأول 1943، والذي دعا فيه الى: «إصلاح قانون الإنتخاب ومعالجة الطائفية التي تقيّد التقدم الوطني وتشوِّه سمعة لبنان… والى الإصلاح الإداري، واستقلال القضاء، ودعم المرأة…»

ولأن لبنان منذ ثلاثة وسبعين سنة لم يتوصل الى معالجة بند واحد من بنود هذا البيان والتي لا تزال هي هي مطروحة بإلحاح أمام العهود والحكومات، فإنك والحال هذه ترئِس حكومة وكأن لبنان معها لا يزال في عهده الإستقلالي الأول.

إنها الصورة المأساوية التي تكشف حقيقة دولة لبنان التي لا تزال مسمَّرة على خشبة مهترئةٍ من التاريخ.

نعم… في مرحلة النهوض من كهف التاريخ لا بدّ من إجماع وطني في حكومة وحدة وطنية تتشارك فيها السلطات في مرحلة إنتقالية، حتى ولو أصبحت وكأنها برلمان مصغّر.

وفي مرحلة البناء بعد الهدم، لا بدّ من تضافر مختلف الطاقات الشعبية من دون أن تهيمن فئة على فئة، وبهذا يقول مونتسكيو: «عندما تكون القوة السائدة في يد جزء من الشعب فذلك يدعى أرستقراطية، وعندما تكون القوة السائدة للشعب برمته فتلك هي الديمقراطية…»

لأنه لم يتم في لبنان «الإصلاح الإداري وإصلاح قانون الإنتخاب واستقلال القضاء» منذ حكومة رياض الصلح، فقد توالت على لبنان طبقات سياسية متعاقبة أصبح معها هيكلاً سائباً لأبناء الحرام وقراصنة الحكم، وما اتّقوا الله بما يقول القرآن: «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتُدْلوا بها الى الحكام…»

وبدل «معالجة الطائفية» إزدادت غريزية النفوس وانبثقت منها مجموعات انكفأت على ذاتها في إطار دويلات مذهبية فشوَّهت سمعة لبنان القيم ولبنان الوطن، ولبنان الرسالة النموذجية الى العالمين.

ولأن «دعم المرأة» غلب عليه تعنيف المرأة ووَأْدُ حقوقها بالرمل كما كان في عهد الجاهلية، فيما الحكومة التونسية الأخيرة يتمثل فيها ثماني وزيرات من أصل ستة وعشرين وزيراً، فقد تقلّصت خصائص لبنان المدنية وتفوقت الشقيقات على من كان طليعة العالم العربي حضارة وتقدماً وتطوراً.

وفيما كانت بيروت عاصمة العرب في الثقافة والكتابة والأدب والصحافة والشعر والنشر، لم يبق منها للعالم العربي إلا مراكز لجراحة التجميل «وشَـفْط» الدهون من الأوراك.

دولة الرئيس.

وكأنك تنطلق من البدايات من عهد الحكومة الإستقلالية الأولى، فإذا قُدِّر لحكومتك أن تضم «رهباناً (1) لبنانيين ينقلون بَيْض ديدان الحرير بواسطة عصا الخيزران من الصين الى أمبراطور القسطنطينية، فابشر بالثوب الحريري خفَّاقاً على الجسم الحكومي، وإلّا فلا أمل في الحرير يأتي من الصين لباساً للأمبراطور، ولا أمل للوزراء إذ ذاك إلّا عصا الخيزران.