Site icon IMLebanon

الحكومة سَقطت… ولا بديل إلّا بـ «التأسيسي»؟

الأفضل للخائفين على الحكومة أن ينظروا إلى عرسال لا إلى السراي. ففي البقعة الممتدّة من عرسال وجرودها إلى القلمون ودمشق يقرِّر «حزب الله» ما سيَفعله في السراي. وبالنسبة إليه، إنّ قرارَ استمرار الحكومة أو إسقاطها يُتَّخَذ بناءً على الضرورات التي تقتضيها المعركة المصيرية على امتداد «الهلال الشيعي» من بيروت إلى طهران، مروراً بدمشق وبغداد وسواهما.

يَزداد الاقتناع بأنّ حكومة الرئيس تمّام سلام هي آخر الحكومات اللبنانية قبل المؤتمر التأسيسي، تماماً كما كان الرئيس ميشال سليمان آخرَ رئيس للجمهورية، وكما هو المجلس النيابي الذي مدَّد لنفسِه إلى… ما لا نهاية. فالمؤسسات والإدارات والأجهزة كلّها تُدفَع دَفعاً إلى الفشَل المتمادي، وصولاً إلى يومٍ تَرتفع فيه الأصوات «مستسلِمةً ومستغيثة»: ليكُنِ المؤتمر التأسيسي. نريد أن نرتاح!

وقبل أيام، عمدَ نائب الأمين العام لـ«الحزب» الشيخ نعيم قاسم إلى دقِّ المسمار الأقسى في نعش الانتخابات الرئاسية عندما قال: «إمّا أن يكون العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وإمّا لا انتخابات». ولأنّ وصولَ عون إلى بعبدا هو مِن رابع المستحيلات، يَبقى الخيار الآخر أي لا انتخابات رئاسية إلى موعدٍ غيرِ محدَّد.

في فترات سابقة، كان يسود اعتقاد بأنّ الحكومة السلامية، التي ورثَت صلاحيات الرئاسة، مطلوبٌ منها دوليّاً أن تستمرّ وتشَكّل «إدارة جماعية» تحفَظ الحدّ الأدنى من الاستقرار للبلد. فكلّ الأطراف ممثّلون فيها وقادرون على اتّخاذ القرارات وممارسة «الفيتو».

وليس سرّاً أنّ هناك أوساطاً مسيحية رأت أنّ كلمة المسيحيين مسموعة أكثر في ظلّ الفراغ الرئاسي. فمجلس الوزراء قادر على تجاوز الرئيس المسيحي. وأمّا في ظل الحكومة الوارثة للصلاحيات، فيستطيع أيّ وزير مسيحي أن يمارس «الفيتو»! وهذه من المفارقات الساخرة في دستور ما بعد الطائف…

ولكن، يتبيَّن اليوم أنّ التوافق الذي جاء بالحكومة السلامية كان أشبَه بلَوحٍ من الزجاج، وبدأت تَظهر فيه ملامح التشَقُّق. والسبب الأساسي في ذلك إقليمي. فهذه الحكومة ولِدت نتيجة تقاطُع للمصالح، في لحظة معيّنة، بين إيران والسعودية على التعاون لضربِ التيارات التكفيرية. وعلى هذا الأساس، وافقَ «حزب الله» على تعويم الشراكة مع سُنَّة الاعتدال، أي تيار «المستقبل» في الحكومة والحوار.

أمّا اليوم، ونتيجة الاشتباك السعودي – الإيراني في اليمن وفكّ الاشتباك السعودي – القطري، ودخول طهران في تنفيذ الخطّة «ب» في سوريا، أي الدفاع عن المنطقة العَلوية – الشيعية حَصراً، فقد عاد الاشتباك داخل الحكومة وباتت مهدَّدةً بالشَلل، ليس لأسابيع قليلة، بل حتى إشعار آخر.

ولا أهمّية للتفاصيل السياسية لدى «حزب الله». فهو سريعاً استغنى عن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كان فيها صاحب القرار الأكبر، لأنّ المرحلة تقتضي ذلك. ولم يتوقّف «الحزب» عند الحسابات الصغيرة، أي عند توزيع الحصَص والمناصب في داخل الحكومة السلاميّة، حيث الشَراكة «السَخيّة» مع «المستقبل». وفي السياق إيّاه، هو لن يسأل عن هذه الحكومة لأنّ مصلحته الاستراتيجية تقتضي إسقاطَها، وواضحٌ أنّه سيَفعل، ولكن ليس دفعةً واحدة، بل في جرعات تصعيدية.

وفي تقدير البعض أنّ هذه الحكومة سَقطت فعلاً. لكنّ قرار الإسقاط بمعنى الاستقالة لا يجرؤ أحدٌ على اتّخاذه، لأنّه ربّما يمسّ الاستقرار اللبناني العام، الذي هو خطّ أحمر دولي. ولذلك، قد يَعمد «حزب الله» وحليفُه العماد ميشال عون إلى الاعتكاف والشَلل في المرحلة الأولى.

ولكن في مراحل لاحقة أكثر نضوجاً، سيُلعبان ورقةَ إسقاط الحكومة بدَفعِها إلى الاستقالة وتصريف الأعمال. وعندئذٍ، سيكون النظام المركزي في مأزق أكبر، ما يَدفع الجميع إلى أحضان المؤتمر التأسيسي.

فإذا استقالت الحكومة الحاليّة، لن يكون ممكناً -في المنطق الدستوري- الخروج من واقع تصريف الأعمال إلّا بانتخاب رئيس جديد للجمهورية. إذ مَن سيُجري الاستشارات الملزِمة في غياب الرئيس؟ وكيف تصدر مراسيم التكليف والتأليف؟ وهذا يعني أنّ الحكومة الحاليّة هي آخر الحكومات حتى انتخاب رئيس جديد.

ولأنّ لا انتخاب قبل الدخول في التسويات الكبرى، فإنّ تغيير الحكومة متعذِّر قبل سَلّة التسويات الشاملة، أي المؤتمر التأسيسي، عِلماً أن لا أفقَ حاليّاً لتسوية صغيرة كالدَوحة ولا حتى لاتّفاق كالطائف، والمرحلة تقتضي حلولاً جَذرية لا بدّ أن تفرزَها المتغيّرات، ولا سيّما في الميدان السوري، حيث تَرتسم ملامح الكيانات وأشباه الكيانات الوليدة والمرشَّحة للولادة.

وإذ يَنتظر البعض أن يكون الصيفُ صيفَ الانتخابات الرئاسية، فإنّه فعلاً سيكون ساخناً بالفراغ الرئاسي، والشَلل المجلسي والحكومي، والتخَبُّط الأمني والعسكري والاقتصادي…

وربّما تتسارَع المواعيد والاستحقاقات في روزنامة المؤتمر التأسيسي، وتَجرف في طريقها كلّ ما تَبقّى من مرتكزات الاستقرار الحيوية، ليأتي الإنهيار كاملاً. وعندئذٍ، تكون ساعة المؤتمر التأسيسي قد حَلّت، ومعها ساعة الخيارات الكبرى في الكيانات الشرق أوسطيّة القديمة.