لا ندري كم يمكن بعد الرهان على تجربة المجرب في توسل وحدة حال حكومية جادة وحاسمة وإلزامية اقله في ما يعود فقط الى القضية التي باتت تعلق لبنان بين مصير ومصير . لو كان الامر لا يزال محصوراً بالأزمات الداخلية على تشعبها واتساع فضاءاتها السياسية لقلنا ان هذه ايضاً تهون المشكلة عندها على رغم ان الازمة الرئاسية التي تجاوزت شهرها الرابع وضعت لبنان في المرتبة الأكثر تقدماً في لائحة الدول الفاشلة المهددة بالانهيارات. غير ان قضية العسكريين الرهائن لدى التنظيمات الارهابية حولت لبنان بأسره رهينة يتلاعب به من يطلق التهديدات الترهيبية من كهف في جرود عرسال ويجعل سائر المناطق والفئات والطوائف اللبنانية طوع “إعلامه” الناشط اللاهب ببيانات تكشف معرفته الخبيرة ببواطن الضعف اللبنانية اكثر من سائر القوى الخارجية التي تناوبت على التلاعب بنا.
لم تعد تداعيات هذه الازمة محصورة بدورها بكابوس انقاذ العسكريين الرهائن الذي يحتل الأولوية الساحقة حتماً بل أضافت اليها التنظيمات الارهابية، بعقل سياسي هذه المرة، ما يبدو لها انه قد يعوضها عن هجمات ميدانية باتت صعبة جداً في ظل الاجراءات التي ينفذها الجيش اللبناني من جهة وتسليط حرب التحالف الدولي عليها من جهة اخرى. لا يحتمل الواقع تجميلاً وطمر الرؤوس في الرمال بعدما نجحت التهديدات الارهابية في تحويل فجيعة أهالي العسكريين الى الوسيلة الاسهل بيدها لجعل ضحايا لبنانيين يواجهون ضحايا آخرين من خلال قطع الطرق وتعميم مشهد توترات اجتماعية وتعطيل اقتصادي شامل على معظم المسرح الداخلي . ولا نعتقد ان احدا يحتاج الى كثير شرح وتوصيف للتكهن بما قد تفضي اليه الامور تصاعدياً في قابل الايام اذا استمر الاختناق على هذه الوتيرة تحت وطأة الانفعالات.
تبعاً لذلك ترانا نتساءل هل التسليم المستجد لدى فئات حزبية بالتفاوض لإطلاق العسكريين بات في مستوى الاقتناع الجدي الحاسم بإطلاق يد المفاوضين؟ وهل بدت وحدة الحكومة في أقصى تجلياتها حين عمّمت فجأة صورة مباغتة لوزير الخارجية يلتقي في نيويورك وزير خارجية النظام السوري من دون استئذان مجلس الوزراء ورئيس الحكومة نفسه الذي كان الوزير في عداد الوفد المرافق له؟ وهل يحدث أثراً الاندفاع الحار المشكور حتما لوزير الصحة لتغطية مبدأ المقايضة الذي لا بد منه في النهاية في دفع سائر المكونات الحكومية الى المضي من دون اي لبس او خجل او تردد في انقاذ العسكريين وتخليص لبنان من هذه المصيبة الوطنية والمصيرية؟
لا ترانا نتجرأ هذه المرة ايضاً على الرهان الإيجابي في ظل شكوك تأبى فئات وتجارب مجربة الا ان تعززها وتكرسها. لكن الفارق هذه المرة ان ثمة ضحايا على الطرق وفي كهوف لن ينتظر مصيرهم ترفكم.