سيكون من المبالغة السياسية الركون إلى التغريدة التي أطلقها رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، في أعقاب تصويت “اللقاء الديموقراطي” للرئيس نبيه بري لولاية سابعة في رئاسة مجلس النواب، والتي قال فيها إنه “بعد هزيمة الأغلبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس نتيجة سوء التنسيق، قد يكون من الأفضل صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من أجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية الايرانية التي، للتذكير، ستنتقم لهزيمتها في الانتخابات بكل الوسائل ولن ترحم احداً”، للاعتقاد أنّ نسخة ثانية من “جنبلاط 2005″، والذي قاد الانتفاضة السياسية لقوى الرابع عشر من آذار، في طور التبلور. لا الظروف السياسية تسمح بهذه الإستعادة الجديدة لحركة التاريخ، ولا التطورات الاقليمية والدولية تساعد على تكرار التجربة.
وها هو النائب بلال عبد الله يحذّر من عرقلة تأليف الحكومة ويدعو إلى ضرورة اختيار رئيس وزراء سيادي وإصلاحي لإكمال الإصلاحات. ما يعني أنّ “اللقاء الديموقراطي” في صدد تسجيل ثاني تمايزاته عن بقية المعارضات من خلال عدم ممانعته المشاركة في آخر حكومات عهد الرئيس ميشال عون، في حال رؤيتها النور، فيما بقية القوى التي تصنّف نفسها المعارضة تتجه إلى المقاطعة والبقاء خارج السلطة التنفيذية بحجة عدم المشاركة في حكومات وحدة وطنية.
إذ سارعت “القوات” وعلى لسان رئيسها سمير جعجع إلى قطع الطريق على محاولات “إغرائها” بمقاعد وزارية، حيث اعتبر أن “القوات” سترفض أي شخص متحالف مع “حزب الله” لمنصب رئيس الوزراء وستلتزم بمقاطعتها للحكومة إذا تشكلت حكومة توافقية جديدة… ما يضع “القوات” و”الاشتراكي”، من جديد، على خطين منفصلين، بعدما ابتعدا في قرار التصويت للرئيس بري.
في الواقع، لا حرج لدى الاشتراكيين في الإفصاح عن تمايزات تجعلهم على مسافة من “القوات” رغم التحالف الانتخابي الذي جمعهما في دائرتيْ الشوف- عاليه وبعبدا، حيث يبدو أنّ المشاركة في الحكومة، أقله في المدى المنظور، ستكون بنداً إضافياً في جدول التباينات بينهما. يقولون إنّ التلاقي مع معراب قائم حول بعض المسائل الأساسية، السيادية بشكل خاص، ولكن هذا لا يمنع بنظرهم حصول التمايز في الكثير من المسائل الحياتية والمعيشية من دون أن يؤدي إلى طلاق أو توتر في العلاقة الثنائية. اذ ليس من الضرورة أن يسود التوافق أو التفاهم في كلّ القضايا لا سيما أنّه لكل طرف اعتباراته وحساباته التي تملي عليه موقفه من القضايا المطروحة.
ويرون أنّ المشاركة في الحكومة هي من باب تحمّل المسؤولية، لأنّ البقاء في صفوف المعارضة هو أسهل الممكن، ولكن الانهيار يجعل من قرار الاعتكاف أو التحجج بعدم الجلوس إلى طاولة تجمعه مع “حزب الله”، هو بمثابة تهرّب من المسؤولية، لافتين إلى أنّ مشاركة “الحزب” في اللجان النيابية وفي مجلس النواب، هي تشريع لوجوده، وبالتالي إمّا تكون المقاطعة شاملة وإما لا تكون، مؤكدين أنّ الوضع المتدهور يفرض علينا المشاركة في كلّ القرارات المصيرية التي ستتخذها السلطة التنفيذية من خلال الاعتراض على طاولة القرار، لا الاكتفاء “بالنكد السياسي”، الذي لا يُفهم في هذه اللحظات إلا بكونه خطاباً شعبوياً خصوصاً وأنّ احتمال قيام حكومة قبل أفول العهد، هو صعب للغاية.
ويشيرون إلى أنّ دعوة جنبلاط لتلاقي المعارضات لا تعني أبداً مغادرة مركب القرار التنفيذي، لا بل العكس تماماً لأنّ المطلوب هو جلوس الجميع لتشكيل قوة ضاغطة على طاولة مجلس الوزراء لمنع أي طرف من التحكّم بدفة الحكم.
بالنتيجة، يتبيّن أنّ جنبلاط لن يساير المعارضات، وتحديداً “القوات” في كلّ خطواتها وقراراتها، مع العلم أنّ الالتقاء في بعض المطارح وتحديداً في مجلس النواب، وارد جداً وقابل للحياة. لكن “اللقاء الديموقراطي” ليس في وارد الانخراط في جبهة سياسية تختصر جدول أعمالها بنزع سلاح “حزب الله” في وقت تنذر فيه الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية بمزيد من الويلات، ما يقضي المشاركة في كلّ القرارات لا سيما الاقتصادية التي قد تغيّر وجه البلد.
أمّا قيام حكومة جديدة، فلا يبدو أنّه متاح في الوقت الراهن خصوصاً اذا تعامل معها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على قاعدة أنها آخر فرص فرض شروطه. ومن هنا، يبدأ مسلسل الاشكاليات والعراقيل خصوصاً وأنّ قوى الثامن من آذار لا تملك أغلبية متراصة قادرة على تلبية طلباته… فيما الاستعانة بـ”الأصدقاء” ستكون مكلفة وستدفع به إلى تقديم الكثير من التنازلات، قد لا يكون بوارد الاقدام عليها.