Site icon IMLebanon

تأليف الحكومة وفق مسار”الثنائي الشيعي”!

 

يرى البَعض أنّ القوى السياسية التقليدية، ولا سيما منها قوى السلطة، في حاجة الى التعاون والتوافق خصوصاً في عملية تأليف الحكومة، على رغم المناكفات وتَعلية السقف بين بعضها البعض، إذ إنّها تخوض الآن معركة وجودية ليست عابرة أو وَقتية، لأنّها تواجه «ثورة» داخلية وعدم رضى خارجي، وهي ستحاول أن تتّفِق، ولو «بالحد الأدنى»، لتبقى في السلطة «معاً» ولتحقيق بعض المطلوب من الداخل والخارج في الوقت نفسه، لعلّها تنجح في «تعويم» نفسها. ويعتبر هذا البَعض أنّ تأجيل إجراء الانتخابات الفرعية بعد استقالة 8 نواب من مجلس النواب ورفض إجراء انتخابات نيابية مبكرة أوضَح دليل الى خَوف القوى الحاكمة على وجودها، ومِن تَغَيُّر المزاج الشعبي.

في المقابل، هناك وجهة نظر لدى جزء من هذه القوى، خصوصاً «الثنائي الشيعي» (حركة «أمل» و»حزب الله»)، تؤكّد وجوب التعاون وأخذ الشراكة الوطنية في الإعتبار، إنّما من منطلقات أخرى ولأهداف مختلفة. إذ انّ «الثنائي» يعتبر أنّ «لبنان لا يُحكم إلّا بالتوافق». وهذا ما عبّرت عنه المرجعيات الشيعية الدينية أمس في خطَب الجمعة.

 

وعلى رغم عدم تسمية «حزب الله» الرئيس سعد الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة، إلّا أنّ أفضل حكومة بالنسبة الى «الحزب» هي حكومة «وحدة وطنية» أو حكومة توافق عليها القوى السياسية برئاسة الحريري. الفارق هذه المرة أنّ الحريري يُعلن أنّه يريد تأليف حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين.

 

في الظاهر والمُعلن يبدو أنّ عملية التأليف ستكون معقدة، وأنّ ولادة الحكومة لن تكون سهلة وقد تكون مستحيلة وتدفَع الحريري الى الإعتذار. الرئيس المكلف مصرّ على حكومة اختصاصيين غير حزبيين، كما أكد بعد تكليفه، في المقابل يصرّ «الثنائي الشيعي» على تسمية الوزراء الشيعة في الحكومة المقبلة، ما يفتح الباب أمام تَمسّك جميع القوى السياسية بتسمية وزرائها. كذلك يعتبر البعض أنّ مجرد تَرؤس الحريري الحكومة وهو غير مستقل، يعني أنّ الحكومة لا يُمكن أن تكون مستقلة عن القوى الرئيسة الأخرى، وهذا ما عبّر عنه رئيس «التيار الوطني الحر» في وضوح بعد استشارات التكليف، بقوله: «بعد تكليف الحريري بتنا أمام حكومة تكنو سياسية».

 

على رغم هذه المطبّات التي ظهرت على طريق التأليف، إلّا أنّ جهات سياسية معنية ترى أنّ عملية التأليف ستختلف عن عملية التكليف، خصوصاً لجهة التشاور بين القوى السياسية الرئيسة، بعد أن كان مقطوعاً أقلّه في الأسبوع الأخير ما قبل تكليف الحريري. وجهة النظر هذه عبّر عنها رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قال بعد تكليف الحريري من القصر الجمهوري، إنّ «الجو تفاؤلي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري، والتأليف سيحصل في وقت أسرع من المتوقّع، وسيكون هناك تقارب بين تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحر». بدوره، عكس الحريري «ليونة» في الموقف، وقال: «إذا كانت مصلحة البلد تتطلب تفاهماً مع الجميع، فمِن المُفترض تغليب مصلحة البلد». كذلك اعتبر البعض أنّ حضور باسيل على رأس وفد تكتل «لبنان القوي» اللقاء مع الحريري في استشارات التأليف غير الملزمة، التي أجراها أمس في مجلس النواب، هو رسالة إيجابية منه للحريري مع انطلاقة عملية التأليف.

 

وتقول مصادر سياسية إنّ «كلّ عملية لها خصوصيتها، وإنّ التأليف يختلف عن التكليف». ويُراهن «الثنائي الشيعي» على حصول عملية التأليف وفق ما ينظر إليها، وتؤكد مصادر قريبة منه أنه ما زال على موقفه، مشيرةً الى أنّ «عملية التأليف يفترض أن تحصل بالتفاهم وفق اللعبة الديموقراطية السياسية اللبنانية». ويرى «الثنائي» أن لا وجود لمستقلّين في البلد. كذلك ينطلق موقفه لجهة ضرورة «رضى» القوى السياسية الرئيسة على الحكومة، من أنّ أي إصلاح لكي يُنفّذ يتطلّب تأييد مجلس النواب أو الكتل الرئيسة فيه، وتحتاج الحكومة الى تصويت المجلس وثقته. وتقول هذه المصادر: «لا شيء يمشي بالعصا في لبنان». ويأتي الرهان على «ليونة» الحريري وغيره، إنطلاقاً من «أنّهم جرّبوا كلّ شيء، واكتشفوا أنّه من دون التوافق لا «يمشي» شيء في البلد، ولا يُمكن قتال الجميع مرة واحدة. فعلى رغم تدخُّل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بنفسه لم يتمكّن الرئيس المعتذر مصطفى أديب من تأليف الحكومة بسبب رفض التشاور وغياب التوافق»، بحسب «الثنائي الشيعي». وتقول المصادر القريبة منه إنّ «البلد لا يُدار إلّا بالأخذ والعطاء بعضنا مع بعض، ورَفع الكلفة وهدم الجدران وبناء الجسور بين بعضنا البعض». وتضيف: «حين تصبح الدولة في لبنان مدنية، فلتُشَكَّل حكومة مستقلين». كذلك ترى هذه المصادر أنّ تجربة الوزراء المستقلّين في أكثر من حكومة لم تؤتِ ثمارها مثلما يتصوّر البعض ويُسوّق، وتسأل: «ماذا أنجز الوزراء المستقلون في وزاراتهم؟». وتعتبر أنّ «الأساس ليس أن يكون الوزير اختصاصياً أو مستقلاً أو لا، بل أن يكون لديه خبرة متنوعة في التعاطي مع الآخرين، وأن يعلم طبيعة الأمور في لبنان». وهذا لا يعني، بحسب هذه المصادر، عدم «إدخال اختصاصيين أو غير حزبيين الى الحكومة، بل أن تؤمِن الكتل السياسية بالحكومة».

 

الى ذلك، ينطلق «الثنائي الشيعي» من قول الحريري إنّ الورقة السياسية الفرنسية هي البيان الوزاري للحكومة الجديدة، الأمر الذي يوافق عليه الجميع. ويرى الثنائي أنّ هذه الورقة هي «بيت القصيد»، أي أن «يمشي» الجميع بخطة الحكومة المقبلة هذه، ما عدا الـ10 في المئة، أي الانتخابات النيابية المبكرة. وبالتالي، إنّ الأساس هو موافقة وتوافق الكتل النيابية الرئيسة على تنفيذ هذه الورقة، وهذا يتمّ أفضل من خلال تمثُّلها في الحكومة أو موافقتها عليها.

 

وعن عدم رضى «الثوار» والخارج على حكومة غير مستقلة عن القوى السياسية، تُجيب المصادر نفسها: «يجب أن نكون واقعيين، فالدول الكبرى صاحبة مصالح في النهاية، أمّا الثورة الحقيقية فنتمنّى أن تنجح، فجميعنا من الناس ونعاني». وترى أنّ «الطائفية البغيضة هي التي أوصلتنا الى هذا الوضع، فضلاً عن عدم التحَسّس بالمسؤولية»، مشيرةً الى أنّ «قطاع الكهرباء كلّفنا 40 مليار دولار، فيما نحن في حاجة الى 3 معامل لا تتخطّى كلفتها مليار ونصف مليار دولار، إلّا أنّ إصرار البعض على معامل محددة في مناطق معيّنة عَرقَل الحلّ».

 

وما زال «الثنائي الشيعي»، وتحديداً حركة «أمل»، يراهن على إمكانية الإنقاذ. وتكشف مصادر قريبة من برّي أنّ عملية تأليف الحكومة إذا نجحت سيكون «هناك دور عربي كبير جداً للرئيس بري في خدمة لبنان، وستُثمر علاقاته الجيدة بالدول العربية لمصحلة لبنان وليس ضد أحد».