IMLebanon

الحكومة في مخاض المُتغيّرات: تصريف أعمال لنهاية العهد أم «حكومة الفراغ»؟

 

بعدما طُويت مرحلة الانتخابات النيابية، ينطلق قطار الاستحقاق الحكومي خلال أيام، مع توجّه رئاسة الجمهورية إلى تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة عقب انتهاء جلسة انتخاب اللجان النيابية، وسط غموض يَعتري المشهد الحكومي تكليفاً وتأليفاً، في ظلّ المتغيرات التي حملتها نتائج الانتخابات والخريطة البرلمانية الجديدة والتحوّلات في المشهد الإقليمي ـ الدولي، بعد انفجار الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي قسّمت العالم الى قسمين وألقت بتداعياتها على مختلف أرجائه.

ثمّة من يقول إنّ الاستحقاق الحكومي يرتبط بجملة اعتبارات وتأثيرات داخلية وإقليمية ـ دولية قوية ستُشرّع الساحة اللبنانية على الفراغ الحكومي وربما في سدّة الرئاسة الأولى:

 

ـ الاعتبار الأول: العلاقة «المُكهربة» بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من جهة والرئيس نجيب ميقاتي من جهة ثانية، رغم سعي ميقاتي الدائم الى رَتق فتق العلاقة بينهما لكي لا يقطع شعرة معاوية مع بعبدا لضمان إعادة تكليفه.. لكن بعبدا تضع مآخذ عدة على أداء ميقاتي لجهة الضغط على القضاء لِلجم القاضية غادة عون المحسوبة على رئيس الجمهورية من ملاحقة حاكم مصرف لبنان والمصارف، فضلاً عن ملف الكهرباء والتدقيق الجنائي والتعيينات والتشكيلات القضائية وغيرها من الملفات الخلافية، وما تردّد عن شروط يضعها باسيل لعودة ميقاتي يرفضها الأخير رفضاً قاطعاً.

 

– الاعتبار الثاني: إشكالية تمثيل الطائفة السنّية في الحكومة في ظلّ انكفاء الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» والفراغ الذي خَلّفته نتائج الانتخابات في التمثيل السنّي النيابي المترامي الأطراف والمقطّع الأضلاع والأوصال وغياب كتلة مركزية محورية شبيهة بكتلة «المستقبل»، ما سيُعرقل التكليف مع «التفسّخ» الذي أصاب رؤساء الحكومات السابقين الذي تولّى مهمة تزكية الرئيس المكلّف خلال العامين الماضيين، ما يُصعّب التوافق السنّي على شخصية سنّية بعد انفصام عُرى العلاقة البينية بين أركان الطائفة السنّية خلال مرحلة الانتخابات.

 

– الاعتبار الثالث: تعميق هوّة العلاقة بين بعبدا و»البياضة» مع عين التينة، بعد موقف باسيل من انتخاب بري في الجلسة الأخيرة، ما يجعل شخصية رئيس الحكومة محلّ تجاذب وخلاف في ظل تَباعد الرؤى والتوجّهات بين الرئاستين الأولى والثانية لجهة مصير حاكمية مصرف لبنان والتدقيق الجنائي وتوقيع مرسوم التعيينات القضائية والكهرباء ومسار طويل من الملفات الخلافية حول طريق إدارة الدولة.

 

– الاعتبار الرابع: تربط بعض القوى السياسية على رأسها «الثنائي الشيعي» موافقتها على رئيس مكلّف، بمعالجة الأولويات الملحّة والتخفيف من قساوة الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تُثقل كاهل المواطنين، كالكهرباء والمحروقات والخبز والاستشفاء والأدوية وسعر صرف الدولار، فضلاً عن أزمة الودائع، علاوة على ملف ترسيم الحدود الذي فرضَ نفسه بنداً رئيساً على جدول أولويات وأعمال الحكومة ورئيسها، بعدما اخترقت باخرة التنقيب «الإسرائيلية» المنطقة المتنازَع عليها ضمن الخط 29، ما يفرض على الرئيس الجديد تحديد طريقة مواجهة هذا التحدّي الخطير الذي يَدهم الحدود وكل لبنان، وما إذا كان سيتمّ التوافق على تعديل مرسوم تعديل المرسوم 6433، مع تأكيد مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» أنّه لن يقف عائقاً أمام أي توافق بين بعبدا وعين التينة على الرئيس المكلّف وسيسهل التأليف.

 

– الاعتبار الخامس والمعطوف على ما سبقه، يَكمن في الضغوط الأميركية المالية والاقتصادية والسياسية والديبلوماسية التي ستتكثّف على المسؤولين والحكومة اللبنانية للتوصّل الى حل لأزمة الترسيم عند حدود «خط هوف» (الخط 23)، ما قد يحول الضغط الخارجي عاملاً غير مسهل لولادة الحكومة التي ستواجه ملف الترسيم، في ظل تبشير بعض المسؤولين الأميركيين الذين تولّوا الملف اللبناني لسنوات، بالفراغ الحكومي والرئاسي.

 

ويمكن رصد مجموعة من المتغيّرات الخارجية التي ستُلقي بثقلها على الاستحقاق الحكومي:

 

– الانشغال الدولي ولا سيما منه الأميركي- الروسي ـ الأوروبي بالحرب الأوكرانية ـ الروسية التي انعكست على الأوضاع الاقتصادية في مختلف الدول الأوروبية، ما يدفع الفرنسيين تحديداً الى الانصراف لشؤونهم الداخلية بعدما كانوا أشدّ المتحمّسين لتعويم لبنان وانتشاله من قعر الهاوية وحضيض الانهيار.

 

– تعثّر المفاوضات النووية وتأجيل توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، ما سيجعل التوتر بين «حزب الله» والأميركيين سيّد الموقف حتى اشعار آخر، في موازاة مراوحة الحوار السعودي ـ الإيراني الجاري في العراق رغم تحقيقه بعض التقدّم بفرض التهدئة الإعلامية بينهما والهدنة العسكرية في اليمن، لكنه لم يتمدّد فعلياً الى الساحة اللبنانية بتوفير مظلة أمان سياسي ومالي تَقي لبنان خطر الانهيار والانفجار.

 

– البرودة الأميركية والأوروبية والخليجية بالتعامل مع الملف اللبناني، ويمكن الاضاءة على مؤشرين: الأول تجميد ملف استجرار الغاز المصري والكهرباء من الأردن الى لبنان عبر سوريا رغم الوعود الأميركية المتكررة لإنهاء هذا الملف. الثاني موقف صندوق النقد الدولي الذي تراجع عن أجوائه الإيجابية التي أعقبت اعلان اتفاق الاطار مع الحكومة وعاد الى أجوائه السلبية وانتقاد المسؤولين لعدم إنجاز الإصلاحات المطلوبة، ما يعكس الموقف الأوروبي من ميقاتي ومن المسؤولين رغم إجراء الانتخابات.

 

– الموقف العربي والخليجي، يقال إنّ خيبة الأمل من انتقال الأكثرية النيابية للفريق الأميركي – السعودي في لبنان، لجمَ حماسة السعودية واندفاعتها للانفتاح على لبنان والمساهمة في توفير الدعم المالي، ما يُخالف المناخ الإيجابي الذي رافقَ عودة سفيرها الى لبنان.

 

هذه العوامل والمعطيات ستؤخّر أي تسوية دولية ـ إقليمية للملف اللبناني قبل نهاية العهد، ما يعني أنّ تأليف الحكومة ينتظره مخاض طويل وعسير. وبالتالي، إنّ خطر الفراغ الحكومي قد يُلاقي خطر الفراغ في رئاسة الجمهورية. ما يعني أنّ هناك احتمالين: إما تكليف ميقاتي أو شخصية أخرى ويبقى مكلّفاً تصريف الأعمال حتى نهاية ولاية عون، أو تدخّل خارجي بِدَفع فرنسي لتأليف حكومة مهمتها منع الانهيار وإدارة مرحلة الشغور الرئاسي إن حصل، ريثما تنضج تسوية انتخاب رئيس جديد.