مرّ استحقاق تكليف رئيس جديد للحكومة كما كان متوقّعاً ولم تحدث أية مفاجآت، في وقت يتّجه الإهتمام إلى عملية التأليف التي تبدو أنها معقّدة.
لم تنل عملية تكليف رئيس جديد للحكومة الإهتمام الكبير لأنّ القصة باتت في مكان آخر، فبات كل الإهتمام منصبّاً حالياً على مرحلة ما بعد رئاسة ميشال عون وهل سيتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، أو أنّ الفراغ سيتحكّم بمصير قصر بعبدا لمدّة غير معروفة.
وإذا كان الرئيس نجيب ميقاتي الذي أُعيد تكليفه بعدد أصوات منخفض بلغ 54 صوتاً يعرف جيداً كيف يُدوّر الزوايا ويبتدع التسويات والحلول، إلا أنه يبدو هذه المرّة من أكثر المرات التي يُكلّف فيها ولا يبدو مضغوطاً أو محكوماً بمهلة زمنية لأنه بالأساس هو رئيس حكومة حتى لو لم ينجح بالتأليف، ومن جهة ثانية فإن المرحلة هي لتمرير الوقت حتى أيلول المقبل، موعد بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية.
وإذا كان التكليف مرّ بسلاسة، إلا أن التأليف دونه عقبات داخلية وخارجية، فأولى تلك العقبات الداخلية تتمثّل في أن عون لا يزال يملك سلطة التوقيع، وبالتالي فإن النائب جبران باسيل لن يرضى بحكومة لا تلبّي طموحاته وهنا تكمن أهم العقد.
ومن ناحية ثانية، فإن ميقاتي المرتاح لن يقدّم التنازلات ويظهر أمام شارعه أنه متساهل، كما أن الأخير يعرف أن باسيل وفريقه لا يملكان الأغلبية في مجلس النواب لذلك لا يستطيع رجل العهد الأول فرض شروطه كما كان يفعل سابقاً.
أما النقطة الثالثة التي تحول دون التأليف، فهي إعلان عدد من الكتل المعارضة عدم نيتها المشاركة في الحكومة الجديدة وإعطاء «صك براءة» لعون في نهاية عهده، وعلى رأس هذه الكتل يأتي تكتل «الجمهورية القوية»، لذلك فإن هذا الأمر سيدفع باسيل إلى المطالبة بكل حصّة المسيحيين وهذا الأمر لن يمنحه إياه ميقاتي ومن خلفه.
أما النقطة الداخلية الرابعة التي تعرقل التأليف فتتمثّل بعدم وجود حوار بين الكتل المتخاصمة، فالجميع ينتظر نهاية العهد من أجل وضع تصوّر للمرحلة المقبلة، وبالتالي، فإن الكتل النيابية بمعظمها غير متحمسة للدخول في مغامرة حكومية جديدة، بل إنها تفضّل تعويم حكومة تصريف الأعمال.
وإذا كان عامل الوقت يُعتبر من الأسباب الداخلية المؤجلة للتأليف، إلا أن العوامل الخارجية لا تساعد أيضاً في إتمام هذه المهمة، وعلى رغم التصاريح الخارجية التي تدعو إلى الإسراع في التأليف، إلا أنّ بعض الدول الفاعلة تعطي اولوية للإستحقاق الرئاسي.
ويُعتبر الغموض في الموقف السعودي من أبرز الأمور التي تُفرمل التأليف، فالرئيس ميقاتي لا يريد القيام بأي خطوة تُعيد علاقات لبنان مع الخليج إلى الوراء، لذلك يرفض أن يؤلّف حكومة اللون الواحد التي يسيطر عليها «حزب الله» والتي تُغضب السعوديين قبل غيرهم.
أما النقطة الثانية، فتتمثل بتريث طهران وانتظارها انتهاء المفاوضات النووية، لذلك فإنها لن تُبدي ليونة تجاه الحكومة ولن تتشدد وتفضّل بقاء الستاتيكو الحالي كما هو.
ومن جهتها، فإن الولايات المتحدة الأميركية ترفض قيام حكومة يكون النفوذ الأكبر فيها لـ»حزب الله»، لذلك فإنها باتت تعطي أهمية للإستحقاق الرئاسي، في حين أن أوروبا وعلى رأسها فرنسا مشغولة بالحرب الروسية – الأوكرانية ولن تُطلق أي مبادرة لا تلاقي النجاح المطلوب لحكومة لن تعمّر بضعة أشهر.