Site icon IMLebanon

التأليف المُعضلة

 

هل بات تشكيل الحكومات في لبنان مُعضلة قائمة بذاتها، مثلهُ مثل انتخاب رئيس الجمهورية؟

 

يبدو أن الأمر كذلك، فالدلائل تُشير، منذ خروج الجيش السوري من لبنان، إلى أن الأطراف اللبنانية عاجزةٌ عن اتّخاذ أي قرار مُهمّ، كي لا نقول مصيرياً، من دون تدخّل أجنبي مُباشر وفاعل.

 

وإذا كان مفتاح الحلّ في الانتخابات الرئاسية الثلاثة الأخيرة قد وُجِدَ في جيب العسكر، فإن تعيين رئيس للحكومة، ثم تأليفها لم يجدا بعد المفتاح الثابت والفاعل مثل قائدٍ للجيش يرتقي إلى سُدّة الرئاسة (إميل لحود، ميشال سليمان، ثم ميشال عون). إذ ليس من قائدٍ للجيش، في الطائفة السنّية الكريمة، وإلا لكانوا أفتوا بالحلّ بتكليفه.

 

إلى ذلك، هل صحيح أنّه لو مشت القوات اللبنانية بتسمية نوّاف سلام في استشارات التكليف المُلزمة، كان قد وصل إلى السراي الكبير، على ما ألمحَ إليه، أمس، النائب سامي الجميل، إثر مشاركته في استشارات ساحة النجمة؟

 

والواقع أن التكليف لا يعني، بالضرورة، تأليفاً. والتجربة الطويلة التي عشناها في السنوات الثلاث الأخيرة أثبتت هذه الحقيقة من دون أي لبسٍ. علماً أن عدم تأليف الحكومات، إلا بصعوبةٍ فائقة، ليس وقفاً على لبنان وحده، بل إنه يحدث في دولٍ عريقة في ديموقراطيتها مثل بلجيكا وإيطاليا وعند الكيان العبري في فلسطين المحتلّة أيضاً، وقد انضم العراق أخيراً إلى هذه اللائحة. مع فارقٍ أنه في البلدان الأوروبية الغربية تحديداً، لا يؤدي التأخّر في التشكيل الحكومي إلى فراغ قاتل كما هو عندنا، لأنهم يملكون إدارات تستمر في مواصلة عملها بشكلٍ شبه طبيعي. أما في لبنان، فالحال كارثية وإلى المزيد من الانهيار في المجالات كافةً، الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والإدارة الرسمية موجودة وغير موجودة.

 

وفي عودٍ على بدء، يبقى السؤال مطروحاً، هل سيُنجز نجيب ميقاتي تشكيلةً حكومية يقبل بها رئيس الجمهورية؟ المؤشرات كلّها، أياً كان مصدرها، تتقاطع عند استحالة هذا الأمر، خصوصاً إذا كان الرئيس المُكلّف مصراً على تعديلاتٍ في بعض الحقائب، وهو يعرف سلفاً أنها لن تكون مقبولةً في قصر بعبدا.

 

هذا يعني أننا مُقبلون على فراغٍ مُزدوج في السراي وفي القصر الجمهوري. وأما كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول احتضان ودعم لبنان… إلى آخر المعزوفة، فلا يُشكّل حكومات، ولا ينتخب رئيساً، ولا يدفع بلبنان خطوةً واحدة إلى الأمام، في وقتٍ يبدو قصر الإليزيه في دويخةٍ أنتجتها انتخابات الجمعية العمومية الأخيرة التي لم يتمكّن ماكرون من الخروج من تداعياتها إلا مهيض الجناح، وقد لا يخرج منها في المستقبل المنظور ليلتفت إلى لبنان، وهو الذي جاءه في عزّ قوّته، أي في بداية ولايته ولم يتمكّن من التوصّل إلى أي نتيجة مع الجماعة السياسية التي «استدعاها» إلى قصر الصنوبر ونصّب نفسه وليّاً لأمرها، ولكن من دون أي نتيجة ملموسة.

 

فما العمل إذاً؟ الجواب الذي نختم به هو استطراديٌ لجوابنا لختام مقالنا يوم أمس: «إنهم يبحثون في ما بعد النظام الحالي».