Site icon IMLebanon

العاقل المغامر

 

 

السيناريو ليس تقليدياً، وإن رأيناه من قبل. التكليف معطوب سلفاً، لا بقصة الميثاقية القابلة للمط بل بحسابات تتجاوز الحكومة الى الرئاسة وتتخطى حاجات لبنان واللبنانيين الملحة الى حاجات أشخاص، ورهانات على ما هو أبعد من الجمهورية: الصراع الجيوسياسي في المنطقة وتبلور محور واسع بقيادة أميركا ضد “محور الممانعة”. ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي يبدو في الواقع كأنه مكلف اللاتأليف. فاللعبة الظاهرة، خلافاً لما يكرر المجتمع الدولي الإلحاح على مطالبتنا به من إصلاحات من واجبنا فعلها، هي البحث في الزواريب الضيقة عن فزلكات دستورية وسياسية لـ”تقميش” اللاطبيعي واللامعقول هرباً من السير على “الأوتوستراد” لفعل الأمر الطبيعي والضروري: تأليف حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية.

 

واللجوء الى شراء الوقت الى ان ينتهي عهد الرئيس ميشال عون وعقدة الوراثة وتفصيل كل شيءعلى قياسها يقود عملياً الى أن يدفع لبنان ثمن وقت ضائع. فلا شيء يبقى على حاله من الصيف الى الخريف في بلد ينهار تحت أزمات ثقيلة، وسط ألعاب محلية صغيرة وتحولات إقليمية ودولية متسارعة. ولا أحد ينتظرنا حتى ننتهي من المماحكات والجدل العقيم من دون حكومة ولا إصلاحات لكي يقودنا الى التعافي المالي والإقتصادي على طريقة “الذين يقادون الى الجنة بالسلاسل”.

 

ذلك أن ما واجهناه بعد المعركة الإنتخابية ونتائجها المعبرة هو صعوبة اللعبة الديمقراطية بين طرفين: واحد يرفض التسليم بالتغيير وخسارة الأكثرية، ويستخدم القوة والدهاء لضمان الربح السياسي. وآخر لا يصدق أنه ربح، ولا يعرف كيف يوظف الربح في المعارك الوطنية والسياسية. والمافيا المتسلطة لا تنام. وإذا وجدت نفسها مضطرة لبعض الإصلاحات، فإن المعادلة بالنسبة إليها هي توزيع الخسائر على المودعين وتوزيع الأرباح على النافذين من أهل النهب والهدر والفساد. وما يدور حالياً من خلافات هو مجرد صراع على المصالح داخل عائلات المافيا. صراع على نسب التوزيع وحصة كل عائلة. ولا خلاف على تجريد الضحايا من القدرة على العيش.

 

والواقع أن المشكلة في تأليف الحكومة هي أن مهمتها محددة وظروفها معقدة. ففي الشكل وقياساً على نوعية التكليف يُفترض أن تكون الحكومة حكومة “الثنائي الشيعي”. وقياساً على الدستور، فإن ما يتحكم بالتأليف هو قلم الرئاسة، وبالتالي ما يرضي العهد والوريث. وقياساً على الجوهر في المهمة، فإن الحكومة هي حكومة الإتفاق مع صندوق النقد الدولي وقوانين الإصلاحات الضرورية وترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل. ومن الصعب التوفيق بين هذه الإعتبارات، بصرف النظر عن قدرة الرئيس ميقاتي على “تدوير الزوايا”، وسط رغبته في الحفاظ على مقام رئاسة الوزراء والدور الوطني للطائفة السنية التي تمر في ظروف قيادية صعبة.

 

كان لينين يتحدث عن الحاجة الى “الحمقى المفيدين”، والرئيس ريغان يتحدث عن “المجنون الحكيم”. وهؤلاء كثر في لبنان. لكن ما يحتاجه البلد هو العاقل المغامر.