Site icon IMLebanon

لقاء مفصلي في مسار التأليف

 

بعد مرور نحو أسبوعين على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة الجديدة، وبعد رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون التشكيلة الوزارية الأولى التي قدّمها إليه ميقاتي، سقط سيناريو تأليف حكومة سريعاً في غضون أيّام، نظراً إلى أنّ الوقت داهم على كلّ المستويات، إن على صعيد الأزمة أو على صعيد اقتراب الاستحقاق الرئاسي، حيث تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية في الأول من أيلول المقبل، أي بعد أقلّ من شهرين. وبذلك بدأت أولى إشارات عدم الرغبة في «التأليف للتأليف» بالظهور، بحسب جهات سياسية ترى أنّ معادلة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل تقضي بـ»تأليف»حكومة تضمن له وجوداً وحيثيةً وشروطاً ومطالب ومكاسب قبل نهاية العهد وبعده إذا حلّ الفراغ الرئاسي، وإمّا لا حكومة».

ليس من السهل أن يتخلّى باسيل عن وزارة الطاقة، خصوصاً بلا أي مقابل «مِحرز»، وهذا الأمر يعرفه الجميع، بحسب ما تقول جهات سياسية، وبالتالي من غير المنطقي أن يكون الرئيس المكلّف قد اعتقد للحظة أنّ عون سيوافق على التشكيلة التي قدّمها إليه، والتي استبدل فيها وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض بوزير من طائفة أخرى وبعيد من «التيار». وفي حين يعتبر البعض أنّ ميقاتي بادر إلى عرقلة التأليف، من باب وزارة الطاقة، توضح جهات أخرى مطّلعة، أنّه لم يعد مقبولاً لا داخلياً ولا خارجياً أن تبقى حقيبة الطاقة في يد «التيار» بعد كلّ هذه السنوات من العتمة والفشل، وهذه ليست رغبة ميقاتي فقط، بل جهات داخلية وخارجية عدة، فضلاً عن أنّ خطة الكهرباء من أبرز المطالب الإصلاحية للجهات المانحة وصندوق النقد الدولي.

ويؤكّد قريبون من ميقاتي، أنّه راغب في التأليف، وسيكون هنا لقاء بينه وبين رئيس الجمهورية خلال أيام، كما أعلن أمس الأول. وبحسب هؤلاء، هناك نقاط مشتركة بين الرئيسين، في مقابل تباين في الآراء ونقاط تتطلّب عملاً، لكن إذا حسُنت النيات يُمكن تذليلها. وفي زحمة الطروحات والطروحات المضادة التي تُسرّب أو تُنشر في الإعلام، من المُفترض أن تكون الحكومة العتيدة، إذا وُلدت، متوسطة الحجم أي من 24 وزيراً، وسيكون شكلها منطلقاً من حكومة تصريف الأعمال، أي تكنوقراط مطعّمة سياسياً، بحيث تضمّ وزراء يتمتعون بالصيغة الاحترافية مهنياً ولديهم خلفية سياسية، أي في جو سياسي مُعيّن. وبالنسبة إلى وزارة الطاقة، تشير مصادر مطّلعة، إلى أنّ كلاً من عون وميقاتي لديه القابلية للتوصل الى إسم مشترك يجمع قواسم مشتركة بينهما، وهذا المطروح للبحث في اللقاءات المقبلة.

على صعيد مطالب باسيل وشروطه، والتي يتسلّح في فرضها، بأنّ الحكومة لا تولد الّا بتوقيع رئيس الجمهورية، يعتبر قريبون من ميقاتي أنّ الدخول في كلّ موضوع قد يوصل الى أفق مسدود، ومن غير المنطقي أنّ جهة ما لم تُسمِّ ميقاتي ولم تُبدِ رغبتها في إعطاء الحكومة العتيدة الثقة أن تطلب الشيء وعكسه. وعلى رغم أنّ ميقاتي يمدّ يده للجميع، إلّا أنّه من حقه أن يتعاون مع من يريد التعاون معه ومع من سيمنحه الثقة ومع من سمّاه، أمّا من يريد أن يتعامل بصيغة الشروط، فهذا جعل الحكومات تتعثر سابقاً، وقد يجعل هذه الحكومة تتعثر أيضاً.

إنطلاقاً من ذلك، هناك حلول لكلّ العوائق الحكومية، ومنها وزارة الطاقة، إذا صفت النوايا، بحسب القريبين من ميقاتي، وقد تكون الشخصيات التي تُطرح لهذه الوزارات أحد الحلول، إذ هناك دائماً شخصيات معتدلة تجمع قواسم مشتركة بين عدد من الأفرقاء ويمكنها التعاطي مع الجميع. ويحاول ميقاتي إخراج موضوع وزارة الطاقة من التداول وحصره به وبرئيس الجمهورية، لعدم الدخول في بازار سياسي وطائفي ومناطقي.

ويبدو أنّ اللقاء المُقبل المنتظر بين عون وميقاتي سيكون إشارة الى الاتجاه الذي سيسلكه التأليف، وبناءً عليه ستتكشف الصورة لجهة إذا كانت هناك نية فعلية للتأليف أم حائط مسدود. وخلال هذا الوقت يحمل ميقاتي في جيبه أوراقاً عدة، وسيتعامل مع التأليف بحسب النيات التي ستتبيّن له، وهو لن يفرمل عمله إلّا إذا اعتبر أنّه وصل إلى حائط مسدود، إذ طالما هناك بصيص أمل لإنجاز التأليف سيبقى متحركاً على هذا الخط، بحسب القريبين منه. أمّا بالنسبة إلى خيار الاعتذار كورقة في وجه عون وباسيل إذا لم يسهّلا التأليف، خصوصاً أنّ الخاسر بذلك هو العهد، فيما ميقاتي هو رئيس حكومة تصريف الأعمال، تقول المصادر نفسها: «الخيارات أمام الرئيس ميقاتي مفتوحة، لكن خياره الأساس الذي يعمل عليه هو التأليف. ودستورياً، الرئيس المكلّف يؤلف الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وبالتالي إنّ الرئيس يسلك المسلك الصحيح، ومع الوقت إذا وجد أنّه لم يصل الى نتيجة، عندها لكلّ حادثٍ حديث».

بناءً على ذلك أيضاً، ترى جهات سياسية، أنّ التأليف إمّا يحصل خلال مدّة قريبة أو لا حكومة جديدة قبل إتمام الاستحقاق الرئاسي. إذ بعد أقلّ من شهرين تبدأ المهل الدستورية لهذا الاستحقاق، فيما البلد أساساً دخل في مخاض الانتخابات الرئاسية. وذلك لأنّ الجميع ينتظر هذه العملية المفصلية، انطلاقاً من أنّه تاريخياً، يتلمّس لبنان تداعيات كلّ محطة رئاسية، فهذا الاستحقاق ليس محلّياً بل متأثر بالأوضاع الإقليمية والدولية. كذلك لكلّ من حصول الاستحقاق الرئاسي في موعده أم عدم إنجازه، إضافةً الى إسم الشخصية المنتخبة، يُعطي مؤشراً وانطباعاً عن مسار لبنان في المرحلة المقبلة، بعد المخاض الكبير الذي يعيشه إقتصادياً وسياسياً. وبالتالي كلّما اقتربنا من موعد الاستحقاق الرئاسي أصبحت كلّ العناوين الأخرى ثانوية، وطغى الاستحقاق الرئاسي على أي استحقاق آخر، ومنها التأليف.