تكريس حكومة تصريف الأعمال لإعادة السلطة بلا فريق بعبدا مع دينامية أميركية جديدة في المنطقة
ترتسم خطوط جيوسياسية جديدة في المنطقة على وقع الزيارة غير المسبوقة لرئيس أميركي إلى المنطقة، وتنشغل عواصم الإقليم في التحضير لملاقاة الدينامية الاميركية، ومحورها غاز شرق المتوسط وخريطة الأنابيب التي تربط حقول مصر وإسرائيل ولبنان وقبرص وتركيا، وصولا الى أوروبا القابعة تحت حصار روسي طاقوي لا مثيل له.
لكن هذه الحيوية غير المسبوقة لا يظهر أنها تلقى بالاً لبنانياً، في ضوء إنشغال المسؤولين في سباق سلطوي، يأخذ راهنا طابعا رئاسيا.
ما يحصل أن الثلاثي الحاكم الذي يسعى الى إستعادة كامل السلطة بعد نجاحه في إفشال عهد كان يُراد له أن يكون خارجا عن المنظومة فدفع الثمن، تمكّن من فرض نمطه، متكئا على مناورات رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي منذ إعادة تكليفه تصرف بطريقة مغايرة عن المرة السابقة، والأهم إجهاض فكرة الرئيس الوازن رغبة في تعويم عاهة وسطية الرئيس، وهي الإسم الحركي للرئيس المائي، البلا لون أو مذاق او رائحة، ذاك الذي يمكّنهم، غيلة وحيلة وتواطؤا، من إعادة وحدانية السطوة على ما تبقى من بلاد.
وليس خافيا أن هذا الثلاثي تقصّد إطلاق نقاش سياسي عريض في انتخابات رئاسة الجمهورية متخطيا الإستحقاق الحكومي، من جهة لتثبيت حكومة تصريف الأعمال كأمر واقع، ومن جهة ثانية رغبة في جعل رئيسها الحاكم الرئاسي المنفرد في حال ذهب البلد الى فراغ رئاسي مستدام، كما يأمل ويخطط الشركاء الحاكمون.
وبات معلوما أن الثلاثي يسعى الى الاستعانة بفتاوى غب الطلب من أجل تخطّي عيب عدم جواز أن تقوم الحكومة المستقيلة مقام رئاسة الجمهورية عند وقوع الشغور، وهي فاقدة الصفة والشرعية والقدرة على الحكم الجَماعي.
لكن هذا الثلاثي يواجه ما سبق للمرجع الدستوري حسن الرفاعي (٢٣ كانون الأول ٢٠١٣) أن أفتاه جوابا عن سؤال هل يمكن الحكومة المستقيلة دستوريّاً أن تحلّ محلّ رئيس الجمهورية في حال حدوث فراغ؟ قال الرفاعي: «كلّا إطلاقاً، فهذه الحكومة تُعتبر، بعلم الفقه، حكومة ميتة، والميت لا يمكن أن يقوم مقام حيّ، فلا بدّ من حكومة تحظى بثقة المجلس النيابي ويصدر مرسوم بتأليفها وفقاً لمقتضيات الدستور».
في هذا السياق، تستمر لعبة استنزاف الوقت وما بقي من أشهر العهد، وصولا الى الأسبوع الأول من أيلول، حيث من المتوقع أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري الهيئة العامة إلى الانعقاد في أولى الجلسات الرئاسية، بما يؤدي حكما الى دفن أي سراب لتأليف حكومة جديدة، والى تكريس الحكومة المشلولة قائما بالوكالة الرئاسية في حال تعثر إنتخاب رئيس.
ويُظهر ديبلوماسيون غربيون إدراكهم لهذا السيناريو الفراغي المقصود، وهو ما يدفعهم بإطراد الى تصعيد تدريجي لمطالبتهم بانتخاب الرئيس من ضمن المهلة الدستورية، بما يُنهي أمل الثلاثي بفراغ مديد يمكّنه من الحكم بواسطة الضلع الميقاتي.
السفيرة غريو تبلِّغ المسؤولين أن الانتخابات الرئاسية يجب أن تجري في وقتها كما جرت الانتخابات النيابية
وكان لافتا تأكيد السفيرة الفرنسية آن غريو أن الإنتخابات الرئاسية يجب أن تحصل في مواعيدها الدستورية كما حصلت الانتخابات النيابية، لافتة الى أن المجتمع الدولي سيكون يقظاً في هذا الامر، وأنه تم إبلاغ المسؤولين اللبنانيين بذلك، ومشددة على أن ليس هنالك اي شيء يوحي بأنّ هذه الانتخابات لن تحصل في موعدها الدستوري، ومشيرة الى أن العالم كله يريد إتمامها في موعدها، بما فيه روسيا والصين والدول العربية.
ويتخذ هذا الموقف الفرنسي الصريح أهميته ليس فقط بمضمونه، إنما أيضا بتوقيته ربطا بتلمّس باريس كما عواصم أخرى المجهود الذي يبذله الثلاثي الحاكم من أجل تثبيت الفراغ ما لم يكن له ما يريد من رئيس مائي يأتي به بذريعة الوسطية، ليتحكّم به ويفرض سطوته عليه طوال السنوات الست من عهده.
ويبدي الديبلوماسيون الغربيون قناعة بأن غالبية القوى السياسية لن تقاطع الجلسات المخصصة لإنتخاب رئيس، بعضها عن قناعة وبعضها الآخر عن خوف ورهبة. وتاليا هذه القوى لن تتجاوب وأي توجّه لتكريس فراغ رئاسي، بما يؤدي حكما الى إنتخاب الرئيس في المهلة الدستورية قبل ٣١ تشرين الأول.
لكن هؤلاء الديبلوماسيين يبدون حازمين في أن الاستحقاق الرئاسي لا ينبغي أن يكون مطية لتفشيل تأليف حكومة، أو ذريعة من أجل تبرير التقاعس في التأليف.