هكذا، من دون أي مقدّمات، بُعثت مشاورات التأليف من جديد، بعد صولات وجولات من تبادل الاتهامات و»الشتائم» السياسية بين الرئاستين، الأولى ومعها الفريق العوني، والثالثة، ليلتقيا من جديد على قاعدة تعويم الحكومة «المهترئة» في الأيام الأخيرة من العهد… وكأنّ شيئاً لم يحصل بينهما.
خلال لقائهما الأخير، تبادل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي «التحيات الحكومية»، من خلال تفاهمهما المبدئي على إنهاء ملف التأليف فور رجوع الأخير من رحلته الخارجية التي ستقوده إلى نيويورك، ولهذا خرج ممازحاً الاعلاميين بأنّه لن يخرج من قصر بعبدا إلا مع تلاوة مراسيم الحكومة الجديدة.
نظرياً، الأجواء صارت إيجابية. أقله هكذا تدل مواقف الفريقين المعنيين. قرر الرجلان المضيّ قدماً لتقديم آخر حكومات عهد الرئيس ميشال عون على قاعدة تعويم حكومة تصريف الأعمال بعد إجراء سلّة تغييرات محدودة في عدد من الوزراء تطال وزيراً شيعياً (وزير المال يوسف خليل)، وزيراً سنياً (وزير الاقتصاد أمين سلام)، وزيراً درزياً (وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين) ووزيراً مسيحياً يحدده رئيس الجمهورية (يتردد أنّه قد يكون وزير السياحة وليد نصار).
ومعادلة الترقيع، لا التوسيع تعني أنّ الطرح الذي حارب ويحارب من أجله الفريق العوني ورئيس الجمهورية، لتطعيم الحكومة بستة وزراء يمثلون الأطراف السياسية على نحو مباشر، قد وضع جانباً بعد الاعتراض المباشر الذي أعلنه رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطابه الأخير مستبعداً فكرة ضمّ وزراء سياسيين إلى حكومة الاختصاصيين.
ونظرياً، يفترض أن تكون الجولة المقبلة من المشاورات بين الرئيس عون وميقاتي، الأخيرة لإسقاط الأسماء الجديدة، خصوصاً بعد تدخّل «حزب الله» المباشر بين الفريقين من باب الدفع باتجاه تسريع عجلة التأليف، لكي لا يفتح الشغور الرئاسي باب جهنم دستورياً قد يطيح بما تبقى من هيكل الدولة المتداعي.
ولكن فعلياً، ثمة من يتعامل مع النوايا الطيبة التي أبداها الفريقان خلال الأيام الأخيرة، بكثير من التشكيك، بمن فيهم «حزب الله» حيث يفضّل بعض مسؤوليه عدم ابداء أي حماسة أو تفاؤل بانتظار اللقاء المرتقب، نظراً للتجارب المريرة والتي كانت مياهها تكذّب دوماً الغطاس، فتنتهي جولات المجاملات إلى لا شيء. اذ يقول بعض المواكبين إنّ الفريقين يعرفان تمام المعرفة أنّ العلّة ليست باسم وزير الاقتصاد ولا باسم وزير شؤون المهجرين، وإنما في توازنات حكومة الشغور الرئاسي، وفي الملف الرئاسي بحدّ ذاته، ولهذا كان التطنيش سيّد الموقف والذي كان يقود إلى اشتباك علني. ولهذا، فإنّ استسلام كلّ من الفريق العوني، ورئيس الحكومة المكلف لمشيئة التكليف، لا يزال موضع تشكيك، على اعتبار أنّ لا شيء قد تغيّر منذ أسابيع إلى اليوم، حتى يقررا السير بملف التأليف من دون عقبات كبيرة.
وفق هؤلاء، فإنّ المتغيّر الوحيد الذي استجد حديثاً، هو خشية ميقاتي من الغرق في مستنقع الالتباس الدستوري ازاء شرعية حكومته في حال لم تر الحكومة الجديدة النور، وحُصرت السلطة التنفيذية بحكومة تصريف الأعمال. يشيرون إلى أنّه يبدو أنّ حملة التهويل والتهديد التي قادها رئيس الجمهورية ورئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل، من خلال التحذير من مغبة تسليم صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة غير مكتملة الدسم الدستوري، قد فعلت فعلها، ودفعت ميقاتي إلى مراجعة حساباته، ولو أنّه كان يتصرف على أساس أن الطبيعة تكره الفراغ وبالتالي سيتمّ التعامل مع حكومته بأنّها السلطة التنفيذية ولو كانت حكومة تصريف أعمال. أمّا غير ذلك، فلا تزال حسابات بقية الأطراف، وتحديداً الفريق العوني على حالها.
هكذا، يمكن القول إنّ قطار التأليف وضع على السكة. ولكنها ليست المرّة الأولى التي تُدار فيه المحركات، ليتبيّن أنّها أشبه بدواليب الهواء، غير المنتجة. وعليه، لا بدّ من انتظار عودة ميقاتي إلى بيروت ليبنى على الشيء مقتضاه.