صحيح ان ملف ترسيم الحدود البحرية، وما يرافقه من نقاش ونظريات احتل الساحة متقدما في المشهد السياسي على ما عداه، بعدما “استحق” الجميع اللحظة، الا ان ثمة مشهدا آخر لا يقل اهمية يحتل النقاشات والمشاورات الجارية في الكواليس، يرتبط بتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات عل وعسى لم ينجح برلمان ساحة النجمة في انتخاب خليفة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
زوار بعبدا ينقلون عن سيدها راحته، حتى انه عاد الى طبيعته السابقة ،”يمزح وينكت” مرتاحا، تغلب الضحكة على وجهه اكثر الوقت، إما لانه سلم بالامر الواقع وباتت الامور خلفه، وإما كونه يخفي مفاجآة “دستورية” ما لا يفصح عنها لا جهارا ولا تلميحا، علما ان الحركة في القصر الجمهوري كما في الرابية على قدم وساق لانجاز كافة الترتيبات لانتقال “العماد” الى الرابية عشية 31 تشرين الاول، وفقا للانظمة المرعية، رغم حديث البعض عن امكان انتقاله الى الرابية قبل هذا التاريخ، وهو ما تنفيه اوساط الوطني الحر.
وفيما غاب اي حديث حكومي عن لقاءات “الترسيم”، بينت المعطيات المتوافرة إن المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي بدأ جولاته المكوكية منذ الثلاثاء الماضي بين بعبدا والسراي ناقلا الرسائل ولوائح الاسماء، عاملا على تذليل العقد، لم ينجح حتى الساعة في انجاز المطلوب، مع توالد العقد الواحدة تلو الاخرى، ومعلومات عن اصرار رئيس التيار الوطني على تغيير غالبية وزرائه، بعد اكتشافه انهم لم يكونوا على قدر الآمال التي وضعت فيهم، وبالتالي لا يمكن المخاطرة وخوض معركة حكومة الفراغ الا بنوع جديد من الوزراء، وفقا لمصادر في البرتقالي، التي رأت من جهة ثانية ان المطلوب اليوم ايضا إعادة الاعتبار الى أشخاص دفعوا غاليا ثمن الحرب التي شنت ضد التيار طوال ثلاث السنوات الاخيرة، ولذلك فان من حقهم اليوم رد الاعتبار لهم عبر توزيرهم، اذ ثبتوا انهم يستحقون ويمكن الاعتماد عليهم، لذلك فان النائب باسيل يميل الى خيار تغيير اكثرية الوزراء المسيحيين المحسوبين عليه.
مسعى اللواء ابراهيم تقاطع مع ضغط حارة حريك، التي تبنت نظرية فريق العهد علنا باعتبار حكومة تصريف الاعمال غير مؤهلة للمرحلة المقبلة، تمشيا مع كلام رئيس الجمهورية حول عدم نضوج الظروف لتشكيلها بعد في ظل مواقف البعض والمقصود طبعا الرئيس المكلف، وهو ما أكد عليه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد، حيث تنطلق تلك المقاربة من رغبة حزب الله بسد اي ثغرة قد تسمح للفريق الاميركي – السعودي بالنفاذ عبرها لاستهداف الساحة الداخلية، عبر استغلال اي خلاف او جدل دستوري.
مصادر مواكبة لعملية التأليف منذ بدايتها، تخوفت من مسألة ان نكون امام 13 تشرين الاول سياسي جديد تتمخض عنه حكومة كاملة المواصفات، ذلك ان ضغوطا كبيرة وجدية يمارسها الفاعلون في الداخل والعاملون على تذليل العقبات، والذين بات رهانهم على لعبة استسلام رئيس الجمهورية لعامل الوقت الذي سيجعل من المستحيل تمرير مطالبه التي يحكى عنها، رغم الحديث عن مفاوضات لتمرير احدها، معتبرة ان خروج أحزاب المعارضة من المعادلة طوعا صعب المهمة على الرئيس المكلف، في ظل استئثار التيار بالحصة المسيحية، حيث التغيير رسى على الأسماء لا الحقائب، بذلك قطع نصف الشوط.
وتشير المصادر الى ان الخطورة في كل ما يحدث سواء كانت ورقة الشروط الخمس المزعومة صحيحة ام لا، الرسائل التي تحملها لاكثر من جهة، خصوصا في بندها المتعلق ببعض التغييرات على صعيد كبار الموظفين، وسط الحديث المتزايد عن “تصدعات” داخل ما سمي “الفريق العوني” مع انطلاق العهد، والحديث المتزايد لدى العونيين عن تعرضهم “للخيانة” في اكثر من محطة من بعض اهل البيت كما الحلفاء.
وبحسب المصادر، لا يبدو ان الامور مطمئنة في حال استمر “جنرال بعبدا” وفريقه على موقفه، خصوصا بعد ان أزاح “ابو مصطفى” عن ظهره مسؤولية المماطلة في انتخاب رئيس للجمهورية من خلال دعوته الى جلسة الخميس التي لم تنته بانتخاب، واتجاهه الى حبس ورقة الدعوة الى جلسة ثانية، في جيبه من جديد، منتظرا اتفاق الـ 128 على اسم مرشّح ما.
وما يدل على ان وضعية المراوحة السلبية قد تطول، حديث عين التينة عن جلسات تشريعية ستعقد في الفترة المقبلة، لتصوير المؤسسات الدستورية تعمل وتنتج ولو بالحد الادنى، املا في ان ينجح ضغط “الحارة” في تمرير عملية تشكيل الحكومة في غضون ايام، في حال سارت البلاد نحو الفراغ، وسط توقع البعض بان “سر الاسم” سينزل من الخارج “بردا وسلاما” على الاطراف، كواحد من مكاسب اتفاق الترسيم مع “اسرائيل”، الذي قد يسمح بتمرير الاستحقاقات اللبنانية .
“ما تقول فول ليصير بالمكيول”، هي قاعدة الاستحقاقات السياسية الذهبية في لبنان، فكيف لا ومن يحكم في بعبدا هو “الجنرال” الذي اعتاد الهجوم الى الامام في معرض الدفاع.