العهد ومعارضوه يتّفقون على أن التشكيل حاصل
لا يبدو أن التطور الخطير في المنطقة، انطلاقا من العراق والذي من المنتظر أن يتطور في المرحلة المقبلة، سيحول دون تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة.
لا زالت الرغبة قائمة لدى مختلف القوى السياسية على تأليف الحكومة التي تواجه أصلا عقبات عديدة، يسميها البعض في الفريق المُشكل «إختلافات»، لم ترق الى مستوى الخلافات على الحصص بين الرئيس المكلف الدكتور حسان دياب وبعض الأفرقاء على مسرح التشكيل.
والآن، مع كل ما حدث أمس في المنطقة، يرى من يؤلف الحكومة أن الوقت حان للإسراع في هذا الأمر، ذلك أن ما حصل من تصعيد في العراق يجب أن يشكل حافزا، لكن من دون التسرع، في التشكيل، وليس انتظارا لما ستحمله التطورات المقبلة من تداعيات وقياس نتائجها قبل الشروع في التأليف.
ويبدو أن هذه الرغبة لدى الأفرقاء تتقاطع مع من يعارض التسوية التي طرأت على البلاد عبر الإيلاء الى دياب التوصل الى الحل، وإن شكليا. ولدى القوى الكبرى الثلاث التي تبرز على صعيد اتخاذ مبادرة التشكيل، أي العهد مع «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وحركة «أمل»، الحافز للمبادرة لحل العقد ومواجهة التحديات وتفعيل مفاوضات التأليف و«تحييد» لبنان على هذا الصعيد في ظل انحدار غير مسبوق نحو انهيار البلد على الصعد المختلفة.
لذا، يشكل منع أو الحد، من الانهيار، الهاجس الأساس بالنسبة الى الجميع، ويأتي العهد على رأس الداعين الى الإسراع في التشكيل للتعويض قدر الإمكان عمّا فاته من ولايته المليئة بالتخبطات. فتشكيل الحكومة عبر شخصيات مقبولة للرأي العام الداخلي كما للمجتمع الدولي سيكون من شأنه تأمين الحماية المناسبة للبنان لكي يحظى بالمساعدات المادية المأمولة وعلى رأسها أموال مؤتمر «سيدر».
لا وقت للترف هنا، ومهما كان من تورط لبنان في أزمة المنطقة، لا يبدو أنه سينخرط، دولة ومقاومة، في تصعيد شامل غير مرغوب من أحد، حتى من قبل الفريق الحليف لـ«حزب الله» كـ«التيار الحر». وسيكون الجهد منصبا على التشكيل، مثلما سيكون على الحكومة العتيدة التصدي للارتدادات الكبرى على البلد، عبر توفير الثقة مع حكومة متجانسة تعمل كفريق موحد على الصعيدين الداخلي والخارجي لتطبيق الإصلاحات المطلوبة التي التزم بها لبنان، والأهم، صيانة الوحدة الداخلية التي تعد المدماك الأول للاستقرار.
من هنا، يرى الفريق المُتهم بأنه من يشكل «حكومة اللون الواحد»، أن الأمر يجب أن يتم بمعزل عن التطورات الإقليمية، على خطورتها، ولا يزال البحث جاريا في تفاصيل حل العقد المتبقية وثمة جهد كبير سيُبذل في الفترة المقبلة عبر ما يمكن اعتباره سباقا مع الزمن ومع التطورات المتسارعة في المنطقة.
قلق دياب
والواقع أن الرئيس المكلف يتشارك في هذه الرؤية مع الفريق المُشكل للحكومة، علما أن دياب نفسه كان دعا، منذ توليه المهمة، إلى الإسراع في التشكيل خشية أن تؤدي تطورات غير محسوبة الى عرقلة الأمور، ما يعني ليس فقط تعطل البلد، بل تدهوره أكثر فأكثر، كون عامل الزمن لا يلعب في صالح لبنان على الإطلاق، ومن شأن عدم تأليف الحكومة أن يعيد لبنان مراحل الى الوراء، ويخشى دياب ان تصح مخاوفه تلك.
الفريق المُعارض
على أن الفريق المُنتقد لتشكيل الحكومة على النحو الذي يتم فيه الآن، وخاصة «تيار المستقبل» و«القوات اللبنانية»، ومعهما جزئيا «الحزب التقدمي الإشتراكي»، فإنه يرى أن التطورات الأخيرة التي تأتي في إطار الصراع الإقليمي في المنطقة، لن تحول دون تشكيل الحكومة.
ويسود اعتقاد داخل هذا الفريق أن فريق العهد والحلفاء قد يلجأ الى أحد الخيارين: إما الذهاب نحو حكومة استفزازية في سبيل المواجهة، وهو ما يعني بدوره أن البلاد ستتجه حكما وبسرعة نحو الانهيار. وإما اللجوء الى حكومة «اللا لون»، وهو خيار شبيه بالأول من حيث النتائج لناحية حجب المساعدات الدولية عن لبنان والتي لن تتوفر طالما لم يحصل لبنان على الثقة المرجوة.
من هنا، يتفق هذا الفريق على أن الحكومة ستُشكل، لكنه يطرح سؤالا جوهريا: ماذا بعد التأليف؟ ويستتبعه بسؤال آخر: هل سيمنع تشكيل حكومة مشابهة لسابقاتها من حيث محاصصاتها وخضوعها دون الانهيار الذي تتجه البلاد إليه حكما؟!
على أن الأولوية بالنسبة الى أصحاب هذا الرأي تبقى في ما يعتبرونه ضرورة لممارسة سياسة تحييد ونأي لبنان بالنفس خارج الصراع الإقليمي الدولي الكبير الدائر، علما أن أصحاب وجهة النظر هذه لا يرون أن لبنان ذاهب الى تصعيد مرتبط بما حدث. وإذا كان هؤلاء يقرون، على مضض، بأن حكومة على النسق الذي يُروج له من المرجح ان تشكل مهما اعترضتها العراقيل، فإنهم ينطلقون لمواجهة ذلك عبر طرح السؤال الأساس المُتعلق بقدرة حكومة كهذه على إخراج لبنان من أزمته أم لا؟