المراهقة السياسية هو عنوان مُلطّف لواقع الحال الذي يعيشه لبنان في هذا المنعطف المهمّ من تاريخه. فالمصطلح يستبطن مصطلحات أخرى أكثر قسوة هي التي تعكس حقيقة الوضع الراهن، إذ تتوالى فصول الإهمال واللامسؤولية واللامبالاة، لا سيّما من قبل القيّمين على عملية تأليف الحكومة الجديدة التي كان من المفترض أن تُشكّل بالأمس قبل اليوم!
مضى نحو أربعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت الرهيب، وهو للتذكير، ثالث أكبر إنفجار في العالم. الرأي العام اللبناني لا يزال ينتظر تقدّم مسار التحقيق القضائي، الذي تتنامى المخاوف حول قدرته الفعلية للتوصّل إلى نتائج ملموسة وحاسمة تحدّد المسؤوليات، وتسمّي المسؤولين عن تلك الكارثة الكبيرة. وإذا كانت القوانين والأعراف تنصّ على سرّية التحقيق، إلا أنّ ذلك لا يلغي أنّ من حقّ اللبنانيين معرفة كلّ الملابسات المرتبطة بهذه القضية، وإلّا، فليعلن المحقّق العدلي ما الذي لا يزال يعيق التحقيق، أو يحول دون توصّله إلى الخلاصات المنتظرة.
ولكن، بمعزل عن الشقّ القضائي، ثمّة شقّ سياسي أكثر فداحة من المراوحة القضائية، وثمّة لامبالاة غير مسبوقة من قبل المرجعيتين الرسميتين المعنيتين بالتأليف يتصدّرها رئيس الجمهورية وهو المؤتمن على حماية الدستور والسهر على حسن تطبيقه. غريبٌ كيف أنّه لا يكترث إلى الويلات التي عاشها اللبنانيون في ولايته الرئاسية، ولا يسعى إلى استلحاق ما يمكن استلحاقه من تخفيف الأضرار قبل انتهاء الولاية؟ غريبٌ كيف أنه لا يفكّر بما سيذكره التاريخ عن الحقبة التي تولّى فيها شؤون البلاد، بحيث لن تتوفر إيجابية واحدة للإعتداد بها!
هل يجوز أن يكون منطلق التأليف الحكومي هو ذاته المنطلق السابق الذي لطالما أخّر تشكيل الحكومات في الفترات السابقة “كرمى لعيون صهر الجنرال”؟ وهل يمكن، مجرّد التفكير، بأنّ الوقت الاستثنائي والأزمات التي تستولد نفسها مع كل إشراقة شمس، هو وقت مناسب لتثبيت الأعراف المخالفة للدستور، التي سبق وابتدعها فريق رئيس الجمهورية نفسه مع بعض حلفائه، وفي طليعتها الثلث المعطّل والتوزيع الطائفي للحقائب المسماة سيادية؟
ثمّ، كيف يمكن أن يصل الفجور السياسي ببعض الكتل النيابية التي تمتنع عن تسمية رئيس الوزراء، أن تعود وتفاوضه على حصّتها الوزارية، ولا تكتفي بذلك، بل تضع “الفيتو” على الأسماء والحقائب والمناصب، وتغلّف خطواتها التعطيلية بعناوين برّاقة إنّما فارغة، مثل “وحدة المعايير” وما إلى ذلك، مما لم يعد ينطلي على الرأي العام.
لقد تحدّث رئيس الجمهورية ميشال عون أمام مؤتمر باريس الأخير عن “وحدة المعايير”، في محاولة تبريرية غير موفّقة لسلوكه التعطيلي في التأليف، وهو يذكّر بما قاله صهره في الماضي في مقابلة له مع إحدى كبريات محطات التلفزة العالمية، مُجيباً بطريقة سطحية أنّ لبنان على استعداد لإرشاد دول الغرب كيف تدير شؤون بلادها من دون إصدار موازنات سنوية! وأنظروا النتيجة التي وصلنا إليها!
في مجال آخر، ما يقوم به رئيس الجمهورية من مطالبة بتوسيع مفهوم تصريف الأعمال للحكومة المستقيلة، ليس خرقاً للدستور والقوانين فحسب، بل هو ايضاً محاولة إلتفافية واضحة على جهود تشكيل حكومة جديدة تقوم بالخطوات الإصلاحية المطلوبة منها، بما يسمح بفتح باب التفاوض مجدّداً مع صندوق النقد الدولي وهيئات التمويل الدولية لوقف التدهور والإنهيار ومعالجة المشاكل المتراكمة والإستعادة التدريجية للثقة المفقودة محلياً وعربياً ودولياً.
وبعد كل هذه الأمثلة، ألا يبدو مصطلح المراهقة السياسية ملطّفاً؟