IMLebanon

توزير النواب

 

نصّت المادة/28/ من الدستور على جواز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة. وأضافت أنه يجوز انتقاؤهم من أعضاء المجلس النيابي أو من أشخاص خارجين عنه أو من كليهما.

 

 

هذا لجهة النصّ. أمّا لجهة المبادئ الدستورية فمِنَ الثابت أنّ توزير النواب ينسُف مبدأ الفصل بين السلطات، ويشلّ دور البرلمان في الرقابة والمحاسبة.

 

 

ففي بريطانيا، يفرض الدستور أن يكون رئيس الوزراء عضواً في البرلمان، وعادةً ما يكون زعيم الغالبية النيابية. أمّا في فرنسا فقد تمّ الفصل بين النيابة والوزارة.

 

 

أمّا في لبنان، وبعد تعديلات عدّة لنصّ المادة/28/ من الدستور، استقرّ النصّ على جواز الجمع بين النيابة ووظيفة الوزارة.

 

 

مع التأكيد، أن السلطة التشريعية هي سلطة رقابية على الحكومة والوزراء. فلا يُعقل أن يُراقب النائب نفسه في الوزارة. عندها ستتعطّل الرقابة على الحكومة، إذ من غير الواقعي أن يُراقب وزير نفسه، حيث ينطبق عليه قول المُتنبّي عندها:

 

 

 

” يا أعدل الناس إلاّ في مُخاصمتي فيك الخِصام وأنت الخَصم والحَكَمُ”.

 

 

 

إضافةً لما تقدّم، فإن تفرُّغ الوزير لمهامه الوزارية، سيستتبع حُكماً تقصيراً لجهة أداء دوره كنائب. إن كان تشريعياً أم رقابياً أم خدماتياً.

 

 

 

لكن ما يهّمنا في هذا الإطار التركيز على مُخالفة أحكام الفقرة “هـ” من مقدّمة الدستور، التي تنُصّ على أن النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.

 

 

 

فكيف بالاستطاعة الحديث عن الفصل بين السلطات، فيما نُجيز الجمع بين النيابة والوزارة؟

 

 

 

فذلك ما يدفعنا إلى المُطالبة بتعديل نصّ المادة/28/ من الدستور مُستقبلاً، في خِضّم ورشة التعديلات الدستورية المُنتظرة، على غِرار ما ذهب إليه الدستور الفرنسي في هذا الخصوص.

 

 

 

مع الإشارة، إلى أن الغاية من الفصل بين السلطات كما حدّدها “مونتسكيو” هي الحيلولة دون قيام سلطة مُطلقة تتحكّم بمُقدّرات الدولة، وتُمارس وظائفها اعتباطياً، مُنتهكةً للحقوق والحُرّيات. وذلك ما أشار إليه في كتابه “روح الشرائع”.

 

 

 

واستناداً لما تقدّم، وإذا أجَزْنا توزير النواب، سيتحوّل مجلس الوزراء إلى سُلطة مُطلقة، تتحكّم بمُقدّرات الدولة، تُمارس وظائفها اعتباطياً، مع إمكانية انتهاكها للحقوق والحرّيات. سيما مع غياب الرقابة الفعلية عليها من قِبَل المجلس النيابي، الذي سيكون مُمّثلاً في الحكومة وشريكاً فيها. وبالتالي، فإن ضمانة صون الحقوق والحرّيات هي الفصل بين السلطات. فالسلطة تكبح جماح سلطة أُخرى، وتمنعها من تجاوز حدّها. والهدف الأساسي من هذا الفصل يبقى ضمان الحقوق المدنية والسياسية ورفض الحُكم المُطلق، وذلك ثابتٌ بنظرية “مونتسكيو” كذلك في تعريف “جون لوك” من قَبْلِهِ.

 

 

 

فالأساس هو الفصل بين السلطتين الاشتراعية والاجرائية. ولا يتحقّق هذا الفصل إلاّ بمُمارسة كلّ منهما، من قبل مؤسسة دستورية قائمة بذاتها، مُستقلّة عن الأُخرى (دراسة الدكتور عصام سليمان عن الفصل بين السلطات- منشورة في الكتاب السنوي للمجلس الدستوري لعام/2011/ صفحة/21/ حتى/44/).

 

 

 

علماً، أنه يقتضي وإعمالاً لمبدأ الفصل بين السلطات، عدم توزير نواب في الوزارة من جهة، أي عدم الإجازة لمجلس النواب الدخول إلى السلطة الاجرائية.

 

 

 

بالمُقابل ومن جهةٍ أُخرى، حصر صلاحية التشريع في البرلمان، أي عدم إصدار أي قانون إلاّ بعد إقراره في البرلمان. أي عدم الإجازة لمجلس الوزراء الدخول إلى اختصاصات السلطة التشريعية.

 

 

 

وبالختام، الفصل بين السلطات واجب، وتجاوز هذا الفصل جريمة. فلنُشكّل الحكومة من أخّصائيين من خارج النواب. تأميناً لمبدأ الفصل بين السلطات، وتمكيناً لمُمارسة السلطة الاشتراعية رقابتها على السلطة الاجرائية.

 

 

 

مع التأكيد، أنه يقتضي اعتماد وحدة المعايير في التشكيل. إن كان لجهة التمثيل أم التسمية. وإلاّ سنبقى حيث نحن، ولا خلاص لِلُبنان.