IMLebanon

أيّ حلول لأزمة التأليف؟

 

يُجمع كُثر من السياسيين والخبراء الدستوريين على أنّ أزمة تأليف الحكومة سياسية، إلّا أنّ تكرارها على مرّ السنين منذ عام 1990 يُحيل الى ثغرات دستورية تسمح بالتعطيل والتأخير «اللا محدود» في إتمام هذه العملية، إذ إنّ الدستور أغفل تحديد مهَل لإنجاز التأليف. ويستند كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري، الآن، الى الدستور لتثبيت وجهة نظره في التأليف، فمن يُفسّر الدستور في هذه الحال ويحسم معنى نصوصه وآليّات تطبيقه؟

 

منذ تعديل الدستور عام 1990 بعد «اتفاق الطائف» بات رئيس الجمهورية ملزَماً بنتائج الاستشارات النيابية لتكليف شخصية تأليف الحكومة، فيما كان يتمتّع منفرداً بهذه الصلاحية قبل هذا التعديل الدستوري، بحيث كان يُكلّف الشخصية التي يراها مناسبة.

 

وخلال المداولات التي جرت في «مؤتمر الطائف» عام 1989، طرح المرجع الدستوري النائب والوزير الأسبق إدمون رزق تحديد مهلة لرئيس الحكومة المكلف لتقديم تشكيلته الوزارية، إلّا أنّ هذا الطرح شهد اعتراضاً «سنياً»، بحيث اعتبر الرئيس الراحل صائب سلام أنّه يعني إعادة تَحكُّم رئيس الجمهورية برئيس الحكومة، وأنّه إلغاء للتوافق، لأنّ تأليف الحكومة يتم بالاتفاق بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، وإذا حُدّدت مهلة للرئيس المكلف ليُنجز حكومته فقد يعمد رئيس الجمهورية الى الاستمرار بعدم الموافقة على تشكيلاته الى حين انتهاء هذه المهلة، وبالتالي يكون هناك التفاف على إرادة مجلس النواب الذي رشّح شخصية معينة في الاستشارات، ودفعاً الى تغيير الرئيس المكلف.

 

ويقول رزق لـ»الجمهورية»، إنّه سأل سلام آنذاك: «هل تظلّ العملية مفتوحة على غاربها؟»، فأجاب سلام: «كلّا، فكلّ شيء معقول مقبول».

 

إلّا أنّ عدم تحديد هذه المهلة، فتح الباب أمام التأخير في التأليف وتعطيله، إذ إنّ الحكومة لا تُبصر النور، بحسب الدستور، إلّا بتوافق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وبمرسوم مَمهور بتوقيعيهما. وإنّ غياب النص الدستوري يفترض «نيات صادقة لدى المسؤولين، وخصوصاً أهلية لدى الأفرقاء، أي الذي يكلِّف ومن يُكلَّف، وهذا هو الضمان»، بحسب رزق.

 

ورداً على اعتبار كثيرين أنّ هناك أزمة نظام لا أزمة تأليف، يرى رزق «أنّنا نعيش أزمة أشخاص يستولون على السلطة وهم غير مؤهلين لتحمُّل المسؤولية، لا أزمة دستور أو نظام، إذ لدينا نصوص مثالية فيما الفشل يكمن في الأشخاص». ويشدّد على أنّ «الدستور لا يحتاج الى تعديل إنّما الأشخاص يحتاجون الى تغيير بسبب استحالة الإصلاح، لذلك هناك حتمية للعودة الى استفتاء الشعب لإنتاج سلطة جديدة بكلّ أبعادها».

 

أمّا لجهة تغيير النظام أو الدستور، يؤكد رزق أن «لا حلّ للبنان الواحد إلّا هذه الصيغة، وإلّا فإننا نتّجه الى التشتت والشرذمة والى نوع من المناطق الانفصالية والعصبيات المحلية والمذهبية، فلا حلّ للصيغة اللبنانية إلّا هذا الدستور».

 

وبالنسبة الى العقدة الحكومية الراهنة، يقول الوزير الأسبق المحامي زياد بارود لـ»الجمهورية» إنّ «الدستور يُستخدم ويُفسّر دائماً بخلفيات سياسية، وبالتالي المسألة ليست دستورية بمقدار ما هي سياسية. كذلك إنّ معوقات التأليف سياسية قبل أن تكون دستورية، لكنّ الدستور يُستعمل حجّة ومَطية لأهداف سياسية». وبالتالي، إنّ الإشكالية في موضوع الحكومة ليست دستورية فعلاً، إذ إنّ الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور واضحة لجهة أنّ رئيس الجمهورية يصدر مرسوم تأليف الحكومة بالاتفاق مع الرئيس المكلف. وهذا يعني أنّ أحداً من المرجعيتين لا يستطيع أن يتفرّد بتأليف الحكومة»، بحسب ما يوضح بارود.

 

وفي حين هناك تفسيرات مختلفة للصلاحيات الدستورية في عملية التأليف، إلّا أنّ هذا لا يعني إيقاف البلد لأنّ كل طرف يحاول أن يفسّر الدستور من زاويته السياسية، وفق بارود، الذي يرى أنّ «المعوقات سياسية على مستويين: عدم رغبة أحد بتلقّي كرة النار الآتية في الموضوع المعيشي ورفع الدعم، وأنّ البعض ربما هو في حالة انتظار لِما سيحصل في الخارج».

 

أمّا لجهة المعالجة الدستورية لهذه الأزمة، فبعد الاستشارات النيابية لا دور تقنياً أو دستورياً لمجلس النواب في عملية التأليف، فهو لا يُمكنه فرض شيء، كذلك لا يُمكنه سحب التكليف. ويعتبر بارود أنّ مجلس النواب، لو وَافق خلال إجرائه التعديلات الدستورية عام 1990 إثر «اتفاق الطائف» على أن يكون تفسير الدستور من صلاحية المجلس الدستوري، لكان هذا الأمر قد «جَنّب البلد مطبّات كثيرة استُعمل فيها الدستور على خلفيات سياسية، ولكان هناك مرجعية عليا لتفسير المواد المُلتَبسة في الدستور. وهذه إحدى الثغرات التي يجب لَحظها حين ندخل مرحلة معالجة الثغرات الدستورية».

 

الى هذه الثغرة، هناك ثغرات في الدستور لجهة عدم تحديد مهل لعملية التأليف، والتي ظاهرها تقني لكنها واقعياً تعبّر عن أنّ الدستور فيه ما يكفي من آليّات التعطيل إذا كان هناك سوء نية، لأنّ الدستور لم يحدّد مهلة لرئيس الجمهورية للدعوة الى استشارات نيابية ملزمة وليس للرئيس المكلف ورئيس الجمهورية مهلة لإصدار مرسوم التأليف، أو مهلة للرئيس المكلف للاعتذار إذا لم يتمكّن من تقديم تشكيلته. وهذه الثغرات كلّها خطيرة أدّت وتؤدي منذ 1990 الى أنّ فترات تصريف الأعمال تكاد تكون موازية لفترات الحكومة القائمة، وفق ما يقول بارود.

 

وإذ يبدو أنّ مقاربة تعديل الدستور غير واردة الآن في ظلّ أزمة متعددة الأضلع وانقسام القوى السياسية، فضلاً عن اعتبار جزء كبير من اللبنانيين أنّ السلطة القائمة ومجلس النواب الحالي غير شرعيين، يقول بارود إنّه يجب على أي مجلس نواب لاحق أن يتمتع بالجرأة الكافية لإجراء التعديلات الدستورية التقنية اللازمة حفاظاً على انتظام الحياة السياسية في البلد.

 

أمّا سبب عدم تعديل هذه الثغرات التقنية طيلة الأعوام الماضية، فمردّه الى أنّ التعديل يأخذنا الى الصلاحيات والنظام في حد ذاته، فكثيرون يخافون من أي مقاربة لتعديل الدستور، ولو بثغرات تقنية التي قد تفتح المجال على أمور أخطر لها علاقة بالنظام وموازين القوى. لكنّ هذا الموضوع «جَايي مهما تأخّر»، بالنسبة الى بارود، إذ إنّ أزمة النظام التي يتحدث عنها الجميع هي عملياً أزمة هذا الدستور الذي لا يعطي أجوبة في ظلّ الأزمات.

 

ولحلّ أزمة التأليف الآن، يؤكد بارود أن «لا حلّ دستورياً إلّا باتفاق عون والحريري». من جهته، يقول رزق: «لا يُغيّر الله ما بِقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم». ويؤكد أنّ «أحداً لا يُمكنه أن يغيّرنا، لا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ولا الجديد جو بايدن، نحن من نغيّر أنفسنا، وذلك بأن نأتي بأشخاص الى السلطة كفوئين وجَديرين».