IMLebanon

ماذا ينفعهم إذا خسروا الدولة والشعب؟

 

سنة وثلاثة أشهر على اندلاع انتفاضة ١٧ تشرين…  سنة بالتمام والكمال على بدء الانهيار المالي والنقدي… خمسة أشهر ونيّف على انفجار مرفأ بيروت الزلزالي واستقالة الحكومة… أربعة أشهر على تسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة… خمسة أشهر على زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون بيروت واتفاقه مع ممثلي الأحزاب والكتل النيابية على خريطة طريق لإخراج لبنان من الجورة التي سقط فيها… ومسلسل الأزمات والانهيارت يتوالى… والكورونا تفتك بالشيبة والشباب… والمستشفيات رفعت الأعلام البيضاء بعدما استنفدت طاقاتها الاستشفائية، وسقط العديد من الأطباء والممرضين ضحايا الوباء اللعين و… الإهمال!

 

كل تفاصيل ووقائع هذه اللوحة السوداء لم تحرّك ضمائر المسؤولين لتجاوز الخلافات الأنانية، والإقلاع عن سياسة العناد والكيدية، وإزالة العقبات الكأداء التي تعترض ولادة الحكومة العتيدة.

 

والأنكى من كل ذلك أن المسؤولين الأكارم يتبلغون عشرات الرسائل الدولية كل يوم، وكلها تؤكد لهم أن لا مساعدات ولا من يساعدون، قبل تأليف حكومة من أهل الاختصاص والكفاءة والسمعة النظيفة، تكون قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة، واستعادة الثقة الخارجية والداخلية، حتى تستطيع الحصول على المساعدات الفورية والضرورية لإعادة إنعاش الوضع المالي، والحد من الانحدار المستمر منذ أكثر من سنة.

 

رغم هذا الوضع الدرامي المهيمن على البلاد والعباد، ما زالت حسابات الربح والخسارة تحتل سلم الأولوية عند فريق السلطة، واللهث وراء وزارة دسمة من هنا، وصفقة رابحة من هناك، وكأن دوامة الأزمات المتناسلة ما زالت تتحمّل ترف تضييع المزيد من الوقت، في مناورات جوفاء، وفي مواجهات عقيمة، لا تُسمن ولا تغني من جوع في زمن العجز والضياع، الذي أوصل بلد الازدهار والتميّز الحضاري إلى مصاف الدول الفاشلة.

 

وإذا كان المسؤولون لا يدركون ماذا يترتب على مصير الدولة الفاشلة في القوانين الدولية، فتلك مصيبة، وأما إذا كانوا يدركون، وحولهم جهابذة في القوانين الدولية، فتلك المصيبة أعظم، لأنهم مستمرون في غيّهم وعجزهم وأنانياتهم السياسية والحزبية والشخصية حتى الوصول إلى ما بعد… بعد جهنم.

 

لا ندري كيف يمكن أن نتفاءل، ولو بالحد الأدنى، في ظل هذا التصعيد المباغت وغير المبرر في المواجهة الدائرة بين الرئيس المكلف وفريق رئيس الجمهورية، والتي وصلت إلى حد غير مقبول ولا مألوف، عندما اتهم الرئيس الأول شريكه في السلطة بالكذب علناً، وبشريط فيديو تم تسريبه للإعلام عن سابق تصور وتصميم، لغاية لم تعد خافية على أحد، وتهدف إلى إحراج الرئيس المكلف بهدف إخراجه من دائرة تأليف الحكومة العتيدة، والإتيان ببديل عنه على مقاس فريق العهد، ويلبي شروطه ومتطلباته.

 

لعل الخطأ الأكبر لفريق العهد هذا الاستعجال بخوض معركة الاستحقاق الرئاسي المقبل قبل أوانه بكثير، وبمعزل عن المعطيات والمؤثرات الخارجية التي غالباً ما تلعب الدور الحاسم في الخيارات الرئاسية، وملحقاتها السياسية الأخرى.

 

كما أن الرهانات الواهية على التغيير الحاصل في الإدارة الأميركية انكشف مدى سذاجتها إزاء الأولويات التي اعتمدها سيد البيت الأبيض الجديد، عندما أعلن برنامج عمله المركز على القضايا والأزمات الداخلية التي تركها ترامب لخلفه، وفي مقدمتها الانقسام العامودي في التركيبة الشعبية للمجتمع الأميركي، فضلاً عن التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لجائحة الكورونا.

 

إن استمرار هذه المعاندة في التعاطي مع المعضلة الحكومية من شأنه أن يُبقي الأشهر المتبقية من الولاية الرئاسية الحالية بلا حكومة شرعية كاملة الصلاحيات، وقادرة على مخاطبة الدول والمؤسسات الدولية المانحة، ما يعني استمرار التدهور بوتيرة أسرع، والقضاء على ما تبقى من مقومات الدولة، ولقمة عيش اللبنانيين الذين أصبح أكثر من نصف تعدادهم تحت خط الفقر!

 

ماذا ينفع فريق العهد، ومعه المنظومة السياسية كلها، من الحكومات والوزارات والصفقات، إذا خسروا الدولة والشعب، وبقيت لعنة الفشل والفساد والانهيار تلاحقهم إلى يوم الدين؟