خسر من راهن على عطلة عيد الفصح لفتح ثغرة في الحائط الحكومي السميك. فلولا زيارة رئيس الجمهورية ميشال عون لبكركي عشية العيد، لعبرت الايام الاربعة من دون ان يُسجّل اي اتصال بين أطراف الاشتباك حتى للمعايدة. وهو ما يؤشر الى ما بلغه العجز عن توفير اقل ما هو مطلوب لتوليد الحكومة. وعليه، ما الذي يبرر هذا الواقع المريب والغريب؟
لم يكن سهلاً على كثير من المراقبين القبول بوجود هذه المساحة الزمنية الواسعة، لتبقى البلاد بلا حكومة بكل المواصفات الدستورية المطلوبة، لمواجهة مجموعة الأزمات المتشابكة والمتناسلة التي يعاني منها اللبنانيون، بعدما اقتربت مهمّة التكليف للتأليف من عبور شهرها السادس وكأنّها طبيعية جداً.
والأخطر، في ان يتجاهل الجميع، بمن فيهم المعنيون مباشرة بالمهمّة، حجم الانحلال الذي اصاب المؤسسات الدستورية، وما يمكن ان تقود اليه الترددات السلبية لفقدان المرجعية الصالحة، للنظر في جملة المصاعب الكبيرة التي نمت وبلغت آفاقاً غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
وإن لم يبادر احد بعد، الى تحمّل المسؤولية عمّا وصلت اليه حال البلاد والعباد، فما زالت سياسة الإنكار قائمة، يترجمها منطق التهرّب من تحمّلها وإلقاء تبعاتها على الآخرين بكل جرأة، على وقع تبادل التفسيرات القانونية والدستورية المصحوبة بالاتهامات المتداولة بالعرقلة وتعطيل مسار التأليف، في غياب الجهة القادرة على الفصل في ما هو قائم من مراوحة بلغت مراحل متقدّمة وربما قاتلة.
على وقع هذه المعادلات التي لا يرقى اليها اي شك، حفلت الاوساط السياسية بالسيناريوهات المتعددة، من دون ان تلتقي على الحدّ الأدنى مما هو مطلوب للتوافق على شكل الحكومة وتركيبتها، على الرغم من التسريبات التي تحفل بالمعلومات الكاذبة عن موافقة هذا الطرف او ذاك على هذه الفكرة او تلك. وعليه، فقد جهدت مصادر عليمة في الإشارة، الى انّ الاتفاق على صيغة الـ 24 وزيراً باتت محسومة وبلا ثلث معطّل، قبل ان يطل من يثير الشك حول صدقية هذه المعادلة، والحديث عن مواقف مغايرة تختزنها الصالونات المقفلة. ومنها تلك التي تقول انّ الرئيس المكلّف سعد الحريري لم يوافق بعد على هذه الصيغة، ما لم تُحترم القواعد السابقة التي تحكّمت بمصير صيغة الـ 18، ومنها الثلث المعطّل. بالإضافة الى من يسمّي مجموعة من الوزراء الإضافيين من خارج منطق المحاصصة الذي ضمن لكل من الأقطاب حصته الوزارية.
وفي الوقت الذي قيل انّ رئيس الجمهورية تجاوز منطق الثلث المعطّل، فإنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لم يعط بعد موافقته على تجاوز هذه الحصة، بعدما رفعها من «6+1» الى «7 +2»، بالإضافة الى مطالب اخرى تطاول مرحلة ما بعد التأليف، للدخول في مرحلة الممارسة الحكومية وآلية العمل من ضمنها. وإن سأل احدهم عن دقة وصحة هذه المعلومات الرائجة ومعها المعادلات، يردّه المطلعون الى انّ ما جمعه رئيس مجلس النواب نبيه بري من خلال مبادرته الاخيرة، لم يسمح له بعد بالإنتقال الى مرحلة اطلاقها في الشكل الذي يضمن بدء المفاوضات الجدّية حولها. ولعلّ انقطاع التواصل بين بعبدا و»بيت الوسط» يبقى المؤشر الأكيد لفشل المساعي المبذولة. وما الحديث عن مشاورات فرنسية – لبنانية ستستضيفها العاصمة الفرنسية في الايام المقبلة سوى «دفشة» متقدّمة الى الأمام للإشارة الى انّ ما يمكن اعتباره «نواة صلبة» للبحث الجدّي في عملية التأليف ما زال حلماً، طالما انّ مجموعة الافكار المشتتة التي تمّ تبادلها حتى الآن لم توفّر ما يؤسس لما يُبنى عليه من قواعد ثابتة.
وفي المقابل، يرى احد الديبلوماسيين، الذي تحول في الايام الاخيرة حائط مبكى لبعض المتنازعين، انّه لم يتمكن بعد من تكوين صورة واضحة لما يمكن القيام به. فالمشاورات الجارية بين حكومته ومجموعة من القوى الدولية لإنقاذ لبنان ولإطلاق مرحلة التعافي الاقتصادي والنقدي والانساني لم تؤت ثماراً وافرة، تكفل وضع حدّ لمنسوب التشاؤم المتنامي من امكان الوصول الى نقطة تقاطع بين الخلافات الخارجية وما يمكن ترجمته في الداخل اللبناني.
واذ توسع الديبلوماسي في تفسيره لشعوره بالقلق على مستقبل المساعي لتأليف الحكومة، توقف امام محاولات ترجمة الكلام الاخير لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان من الوضع في لبنان. وهو يرى انّ هناك خطأ فادحاً عبّر عنه البعض بما لا يتطابق ومعناه وما قصده رأس الديبلوماسية السعودية. فهو لم يغيّر موقفه بعد من الدور الايراني في المنطقة ولبنان، واتهامه المباشر لـ «حزب الله» بوضع اليد على الدولة وخياراتها بتطابق غير مسبوق مع العهد. ولذلك، فإنّ التفسيرات التي أُعطيت له اوحت انّ هناك محاولة فاشلة لتحريفه سلفاً، وخصوصاً ان كان يريد صاحبه توظيفه في مواجهة الرئيس المكلّف سعد الحريري، معتبراً انّه تفسير سيبقى ضمن الدردشة الداخلية في اجتماع حزبي مقفل. فالمحيطون بالوزير السعودي وسفيره واركان سفارته في بيروت، لم يغيّروا قيد أنملة من مواقفهم تجاه العهد واركان السلطة والاطراف المتنازعة في لبنان.
وبعيداً من هذه السيناريوهات المتداولة، فقد ثبت لدى المراقبين الباحثين عن الصيغة المحتملة، انّها ما زالت مفقودة وبعيدة المنال. فليس من بين ما تداولت به وسائل الاعلام في الايام الاربعة الماضية ما يؤشر الى العكس، والتي ليس من بينها ما يوحي بالجدّية الكافية للخروج من المأزق. وهو ما يدلّ الى انّ المبادرات الحكومية ما زالت اسيرة حقل من الالغام المتشابكة بين ما هو داخلي وخارجي.
وختاماً، لا بدّ من الإشارة الى انّ مجرد الربط بين مصير عملية التأليف وانطلاق المفاوضات النووية من فيينا اليوم، ما يؤدي الى تسخيف الشروط الداخلية التي يجري تسويقها، لئلا يُقال انّها للتعمية على كثير من الحقائق التي تتحدث عن عجز المسؤولين عن اتمام المهمات المنوطة بهم. فالحديث بين بعبدا و»بيت الوسط» وابو ظبي ما بينهما، عمّن يتصل أولاً بالآخر، من اجل اتمام المهمة، بات امراً يثير غضب اللبنانيين، وان لم يُعبّر عنه الجميع، من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال ومن عمق البقاع الى شواطئ بيروت، فهو بات إقتناعاً ثابتاً لديهم. وما على المسؤولين المتحصنين في قصورهم ومقارهم، سوى الاعلان الجماعي عن عدم اهليتهم لإدارة شؤون الناس، والاستسلام لمبادرة تفضي الى دور اكبر للأمم المتحدة والدول الصديقة للبنان، قبل ان تفلت الامور في لبنان وتعمّ الفوضى العارمة، إيذاناً بأنّ السلطة وهي واحدة من ثلاثية الدولة والشعب، قد سقطت بالضربة القاضية ولا بدّ من عمل ما ينقذ الدولة والشعب.