IMLebanon

حكومة بعد طول انتظار… إدانة للسلطة

 

تتوالى المحاولات العاملة على خطّ ايصال ملفّ تشكيل الحكومة الى ضفّة السلطة الحاكمة، وتتكاثر تنازلات بعض الافرقاء السياسيين المتحاورين امام الحسابات المتبادلة، وليس امام مصالح الشعب ومطالبه المُحقّة، مُتوقّعين أن تُثمر الاتصالات الداخلية والخارجية الجارية، صفقة تسوية ضامنة لاستمراريتهم السلطوية، تمنع وصول بعضهم الى منصّة العقوبات المتوقّعة، والبعض الآخر الى الإدانات والمحاكمات الأكيدة.

 

إنّ المنطق الطبيعي والسليم لإدارات الدول المُستقرّة والمحترمة لركائز الديموقراطية، هو الرضوخ لخيارات الشعوب من دون شروط مُسبقة، وذلك يقضي بإعادة إنتاج سلطة نابعة من انتخاباتٍ شفّافة. وفقط هكذا نوع من السلطات المرتاحة للثقة التي نالتها من شعبها تستطيع إجتراح الحلول للمشاكل الوطنية، ومواجهة الازمات الناتجة عن التحوّلات والتطورات الداخلية والخارجية الطارئة. ولذلك، فليس عبثاً عندما تواجه الدول المُستقرّة أزمات حكم، أن تذهب فوراً الى إعادة انتاج سلطة جديدة، تكون كفيلة بتبديد التشنّجات، وتستطيع تشكيل الحكومات بسلاسة وهدوء، أكانت حكومات اللون الواحد، أو حكومات إئتلافية، أو حتّى حكومات وحدة وطنية، حيث أنّه من خلال ثقة الناس تنطلق الحكومة لتأمين الاستقرار الوطني المطلوب، ولتحديث الادارة، ولتطوير عيش الناس، وتتحصّن البلاد حينها بالشروط الضرورية لمجابهة الأخطار والتهديدات والهزّات المتنوّعة. الأساس في خريطة الطريق هذه، العودة الى الشعب، مصدر السلطات دائماً، والمكان الوحيد لضمان عدم ضرب الاستقرار. وما عدا ذلك من تحايُل على السبل الديموقراطية، يُشابه الى حدٍّ كبير بعواقبه ما تُقدِم عليه المنظّمات الارهابية من عنف وتهويل، ولكلٍّ إرهابه، أكان آتياً من منظّمات أو من سلطات، وقد شهدت الانسانية خاصةً في هذا الجزء من العالم، إرهاب دول وأنظمة يفوق بدرجاتٍ إرهاب المنظمات، لا بل المُلْهم لهم، والمُدرِّب لفرقهم، والمُسْتفيد من تأثيراتهم على الأحداث.

 

بعد سقوط حكومة اللون الواحد التي أثبتت عدم فعاليّتها، بدأت المناورات الكثيفة من قبل أزلام السلطة الحاكمة، للعودة الى تشكيل حكومةٍ تشبه الحكومة التي ثارت عليها البلاد وأسقطتها في تشرين 2019. فبعدما نجحت السلطة بتفخيخ الانتفاضة الشعبيّة بمجموعاتٍ عبثية مُحرّكة من قبل أجهزتها، واستطاعت اغتيالها، وتحرّرت من ضغطها عليها، ذهبت الى التذاكي على المبادرات الخارجية الانقاذية، فاستطاعت شلّها جميعها، وتمكّنت من وضع الشروط الضامنة لاستمراريتها في الحكم.

 

ولكن يبقى العامل الدائم الدافع لهؤلاء الافرقاء والحامي لوقاحتهم ولتماديهم ولتجاوُزاتهم، كامناً في حقيقة تأمينهم القناع الرسمي للدويلة القائمة عنوةً على صدر اللبنانيين.

 

استطاعت السلطة الحاكمة إسقاط المبادرات الصادقة، وحوّلت مساراتها الاصلاحية الى تسوَوِيّة، فدخل لبنان مرحلة جديدة من درجات تفشّي المرض الأساسي المسؤول عن كل معضلاته، حيث بات هذا البلد المُعذّب في مراحل اللارجوع، مرحلة عدم الشفاء بالطرق والمعالجات التقليدية. ولكن، وبما أنّ شعب وطن الأرز يمتلك الخصائص المميّزة والقدرات الوفيرة من الثروات الاقتصادية والسياسية والعلمية والمكانة الدولية، فقد حافظ على آماله المتناقضة بشدّة مع محاولات السلطة الحاكمة لمنعه من إنقاذ نفسه، ولذلك، يستمرّ بمحاولاته الدؤوبة والثابتة، رويداً رويداً، للوصول الى العلاج الوحيد المّتبقّي، وهو الجراحة القاضية بضرورة اقتلاع واستئصال السلطة المتسلّطة، وطبعاً، بالطرق الديموقراطية والقانونية، مُفشّلاً محاولات السلطة لدفعه الى المواجهات العنفية ولجرّ البلاد الى ما لا تُحمَدْ عُقباه. وإنّ أي محاولات داخلية أو خارجية، أخوية أو صديقة، لن تخدم اللبنانيين إن لم تستند الى المبدأ الاقتلاعي.

 

إنّ التأخير في تشكيل حكومة، يحمل في معانيه خطورة متمثّلةً بواقع “التشكيل بعد طول انتظار”، وكأنّ الوقت الذي يمرّ به اللبنانيون لا قيمة له، بالرغم من الخيبات والمعاناة والذلّ والدماء التي يتكبّدونها خلال فترة الانتظار. فالتشكيل بعد التأخير هو الادانة بحدّ ذاتها لهذه السلطة المُعرْقلة، ولن تستطيع التبرّؤ منها مهما هلّلت لنجاحِها لاحقاً بتشكيل حكومة ما. وفي حال الوصول الى حكومة ذات ثقة دولية وإقليمية، فأفرقاء السلطة بالتأكيد مُدانون، لكثرة ما سيتكشّف من فضائح، ومن أسباب لعرقلة الملفّات الاجتماعية والمعيشية. أمّا إن اتت حكومة حَسب شروطهم، فهناك المصيبة والادانة الكبرى، لأنّ التأخير لن يأتي بالحلول، وسببه لن يكون الا الخيانة الحقيقية بحقّ مصالح اللبنانيين.

 

الأهداف واضحة، والمبادرات أوضح، والتأخير معروف الاسباب، والإدانة قادمة، والمُدان معروف، حقاً، ولا قيامة للبنان قبل العلاج الاقتلاعي الديمقراطي.