عندما تُسأل أوساط القصر الجمهوري عن مسار تأليف الحكومة ومصيره، يأتي الجواب كالآتي: «لا شيء ولا جديد، الأمور جامدة والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري لا يتحرّك ويقضي وقته بالسفر الى الخارج، ولا توجد أي حركة على هذا الخط، ويبدو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أطفأ محركاته ولا أحد يتحرّك. حتى الوساطة من خلال «حزب الله» لم تُتابع منذ بضعة أيّام».
لم تؤتِ أي من العروض الخارجية للمساعدة في تأليف الحكومة نتائج ملموسة وعمليّة. ولا حتى المعطيات عن عقوبات أوروبية على معطّلي التأليف ووضع آلية لها أرخَت تأثيرها حتى الآن على أي من المعنيين بالتأليف ليستعجلوا إنجاز هذه العملية الدستورية. أمّا المبادرة العملية المطروحة فهي اقتراح بري الذي يحظى بمباركة خارجية وشبه إجماع داخلي. وتقضي مبادرة بري بتأليف حكومة من 24 وزيراً (8 – 8 – 8) أي بلا ثلث معطّل لأي فريق، أمّا المشكلة المُعلنة عن عدم وصول هذا الطرح الى خواتيمه، فهي تسمية الوزيرين المسيحيين المتبقيين من أصل 12 وزيراً مسيحياً، بعد توزيع الحصة المسيحية كالآتي: 7 وزراء مسيحيين لعون (بينهم وزير أرمني)، وزيران لتيار «المردة»، وزير لـ»الحزب القومي»، ويبقى وزيران مسيحيان، يرفض كلّ من عون والحريري أن يُسمّيهما الآخر.
وتقول مصادر القصر الجمهوري: «النقطة الأساسية في المشكلة التي تعوق هذه المبادرة هي من يسمّي هذين الوزيرين المسيحيين، إذ إنّ من يسمّيهما يحصل على الثلث زائداً واحداً من عدد الوزراء». كذلك تنفي هذه المصادر أن تكون عقدة وزارة الداخلية حُلّت، فالحريري ما زال متمسكاً بأن يكون شريكاً بتسمية وزير الداخلية بحيث يرسل عون إليه أسماءً يختار من بينها، فيما أنّه متمسّك في الوقت نفسه بوزارة العدل، ويرفض عون هذا الأمر. فرئيس الجمهورية يريد أن يسمّي وزير الداخلية إذا كان الحريري سيحصل على وزارة العدل. وتقول مصادر القصر الجمهوري: «الرئيس لن يسمّي وزيراً سيئاً لحقيبة الداخلية أو لديه ماضٍ، بل سيختار من خيرة الناس الذين يعرفهم، وتوجهه أن يُسمّي ضابطاً، وهو الأدرى بالضباط». وتشير الى أنّ «وزارة الداخلية مهمة جداً ووزير الداخلية بمثابة الحاكم الإداري للدولة عبر المحافظين والبلديات والأحوال الشخصية».
كذلك على الخط الحكومي إنّ حركة الإتصالات والزيارات الخارجية الغربية والعربية الأخيرة لم تعطِ نتيجة، وكانت كمية النصح فيها أكثر بكثير من الطروحات الواقعية العملية، بحسب القصر الجمهوري، لأنّ الزائرين «نصحونا بتأليف حكومة وإجراء إصلاحات، لكن لا طرح عملياً». وعلى الخط الفرنسي – القصر الجمهوري، ليس هناك جديد أيضاً، و»لم يرد شيء من الفرنسيين بعد مبادرة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان الأخيرة».
وفيما تفيد معلومات عن اتجاه الإتحاد الأوروبي الى إعداد آلية للعقوبات على معطّلي التأليف في لبنان يليها فرض هذه العقوبات على هؤلاء، لم يتبلّغ القصر الجمهوري أي شيء بخصوص العقوبات، فيما لديه معطيات فقط منذ فترة عن أنّ هناك عقوبات تتحضّر، لكن لم يظهر شيء منها بعد ولا من يُمكن أن تطاول.
وفي الخلاصة، يُمكن القول إنّ «الملف الحكومي مكانك راوح». ووفق القصر الجمهوري، إنّ «أحداً لا يحرّك الملف الحكومي والرئيس المكلف المفترض به تحريك هذا المسار وضع لائحة وذهب، وهو يسافر ويتنقّل من بلد الى آخر». وبعد مضيّ نحو 6 أشهر على تكليف الحريري، هناك استنتاج لدى القصر بأنّ «الرئيس المكلف لا يريد التأليف، وذلك بعد مرور كلّ هذه الفترة من دون أن يقوم بأي تطوُّر إيجابي».
نزاع التأليف بين عون والحريري هذا انعكسَ بحسب البعض على القضاء، خصوصاً لجهة ما حصل أخيراً بين النائب العام التمييزي غسان عويدات المدعوم من تيار «المستقبل» والنائبة العامة الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون المدعومة من «التيار الوطني الحر». وعن موقف رئيس الجمهورية من تصرّف القاضية عون بعد أن كَف عويدات يدها عن الجرائم المالية، تقول مصادر القصر إنّ موقف الرئيس عون واضح، وهو أنّ «القاضية أدّت واجباتها وقد تكون بالغت ببعض المظاهر التي رافقت العملية، لكن كلّ ما فعلته قانوني ولا شيء خارج عن القانون، ومن حقها كنائبة عامة استئنافية إجراء الملاحقة، وهي فتحت ملفات للتحقيق فيها، فليتركوا التحقيق يأخذ مجراه، لماذا يتلهّون بالمظاهر وينسون الجوهر، أي التحقيق. وقد تكون حصلت أمور غير مألوفة لكن هذا لا يجب أن يلغي الأساس وهو التدقيق والتحقيق وكشف ملابسات الملف المالي الذي تحقق فيه». وتشير المصادر نفسها الى أنّ «هناك وجهة نظر تقول إنّه لا يحق لعويدات أن يكف القاضية عون، فضلاً عن أنه عندما حصل ما حصل كان الملف لا يزال بيدها».
ما حصل يربطه البعض بعدم توقيع رئيس الجمهورية التشكيلات القضائية وحبسها، إلّا أنّ مصادر القصر ترى أن «لا علاقة لعدم توقيع التشكيلات القضائية بهذا الأمر»، مذكرةً بأنّ «التشكيلات توقفت لأن الرئيس وجد فيها بعض الثغرات، ووضعت وزارة العدل ملاحظات عليها لم يأخذ بها مجلس القضاء الأعلى فاضطرّ الرئيس الى تجميدها. وإذا عدّل مجلس القضاء هذه التشكيلات فقد يُعمل بها».
كذلك يطغى موضوع تعديل مرسوم الحدود البحرية الجنوبية بحيث يصبح التفاوض مع الاسرائيليين انطلاقاً من النقطة 29 بدلاً من النقطة الـ23، على الملف الحكومي، وفي حين كان عون مَن سعى الى تبديل موقف لبنان بعد الدراسة التي أجراها الجيش اللبناني وحدّدت النقطة 29، إلّا أنّه أعاد المرسوم الى رئاسة مجلس الوزراء لأنّه يتطلّب قراراً من الحكومة مجتمعة. لكن يبدو أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لن يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد لإقرار هذا التعديل. وبالنسبة الى تعديل مرسوم الحدود البحرية، تقول مصادر القصر الجمهوري: «في الوقت الحاضر، أخذ هذا الملف، بعد زيارة وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل الأخيرة للبنان، مَنحى لتحريك المفاوضات، بحيث أكد لبنان رغبته في استئناف المفاوضات والتفاوض على النقاط المختلف عليها، ونحن في انتظار جواب الجانب الاسرائيلي على هذا التأكيد. وفي انتظار ذلك، سيبقى المرسوم قيد الدرس. وإذا كان جواب الاسرائيلي إيجابياً تُستأنف المفاوضات من النقطة التي كانت قد وصلت إليها».
وتوضح أنّ «هناك دراسة عسكرية تحدّد خط الـ29، فيما كان هناك سابقاً دراسة تحدّد خط الـ23، وحين طرح لبنان خط الـ29 أوقف الاسرائيلي المفاوضات. ويقول الرئيس عون الآن بوجوب أن نستأنف المفاوضات وفق طرح كلّ جانب، وإذا لم نصل الى نتيجة نستعين بخبراء دوليين يحدّدون إذا كان لبنان محقاً بالحجج القانونية التي يعرضها أم لا، ولقد رحّب الجانب الأميركي بهذا الطرح. أمّا المهم بالنسبة إلينا فهو أن تستمرّ المفاوضات لكي نصل الى حلول بنحوٍ سلمي». كذلك على الخط الشمالي، تشهد الحدود البحرية نزاعاً بين لبنان وسوريا، وتؤكد مصادر القصر الجمهوري أنّ هذا الموضوع غير مُهمل وهناك معالجة له تجري بهدوء.