من يتمعن بروية في الاسباب الحقيقية لازمة تشكيل الحكومة العتيدة، لا بد وان يعود بالذاكرة قليلا الى عشية تسمية رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وما واكب هذه التسمية من مواقف ووقائع، ليكتشف ببساطة ان من يعطل التشكيل طرفان اساسيان، حزب الله والتيار الوطني الحر وليس طرفا واحدا كما يتراءى للبعض. فالحزب الذي دعم تولي الحريري لترؤس الحكومة الجديدة وأيده علانية لم يسمه في الاستشارات النيابية الملزمة، كان يعرف مسبقا ان رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل يرفضان ترؤس الحريري للحكومة، ووضعا كل ما يمكن من عراقيل ومطبات لمنع هذه التسمية، تارة من خلال تأجيل مواعيد الاستشارات النيابية ومرورا بالاتصال المباشر وممارسة اقوى الضغوطات على بعض الحلفاء لمنعهم من تسمية الحريري وصولا إلى رفض كتلة التيار تسميته نهائيا، وبعدما اصبحت التسمية واقعا ملموسا.
كيف وازن حزب الله بين موقفه الداعم للحريري بالتزامن مع رفض حليفه التقليدي عون لهذا الخيار؟ استطاع الحزب من خلال اسلوبه الماكر هذا التحكم بطرفي تشكيل الحكومة الأساسيين وادارة اللعبة بدهاء.
فالحريري مقيٌد بدعم الحزب لترؤسه الحكومة وان كان لم يسمه الى جانب باقي النواب، وعون الرافض والمستاء من تولي الحريري تشكيل الحكومة، لا يستطيع الاعتراض على تصرفات الحزب او التصادم معه بعدما أصبح ضعيفا شعبيا، ومعزولا عن باقي الاطراف، ولانه سيضعف اكثر مما هو عليه بعد انتفاضة تشرين الاول الشعبية.
وهكذا، أصبحت عملية تشكيل الحكومة اسيرة توجهات ومصالح حزب الله الاقليمية، في حين يلاحظ بوضوح ان جبران باسيل يحاول الاستفادة من سلوكية الحزب المرفوضة منه، ليمارس كل اساليب الابتزاز الشخصي والعرقلة لتحسين موقعه واعادة تعويم وضعيته بعد العقوبات الاميركية عليه وحملة الكراهية الشعبية والمسيحية ضده من دون استفزاز الحزب او مخاصمته. ومنذ استقالة حكومة حسان دياب ومرورا باعتذار السفير مصطفى اديب عن التشكيل وانتهاء بتكليف الحريري، كان يتردد بشكل مباشر وغير مباشر بأن الحزب لا يريد تشكيل الحكومة في الوقت الحاضر، لانه سيبقي هذه الورقة بيد المفاوض الايراني مع الاميركيين ليفاوض عليها تحقيقا لمصالحه على حساب المصلحة اللبنانية. وبينما كان البعض يعتبر أن هذا الاستنتاج ليس صحيحا وهو من باب التصويب على الحزب وايران، مرت قرابة العشرة اشهر وازمة تشكيل الحكومة تتعقد اكثر واكثر ومفاوضات الملف النووي مستمرة وقد تكون في خواتيمها ولبنان بلا حكومة والاستنتاج المشكك به أصبح واقعا ملموسا. ولذلك، من يطالب الحزب بتدخل ضاغط على الفريق العوني فهو واهم، لانه ما دامت مصلحة الحزب لا تتطلب تشكيل حكومة جديدة حاليا، فالحكومة لن تبصر النور قريبا ولو كان واجهة تعطيلها رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل ظاهريا على الاقل.