على مدى الساعات بعد الأيام تتوالى السيناريوهات التي تُحاكي تشكيل الحكومة الجديدة، الى درجة عزّزت اليأس في نفوس البعض الذي ينتظر باباً الى الفرج من أيّ زاوية بعدما سدّت كل الطرق الى الوساطات. وهو ما دفعَ العارفين بكثير ممّا بقي غامضاً الى البحث عن شخصيات او جهات تحتكِم الى وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن مخارج «صبيانية» تُخفي حجم المآسي والمخاوف من استمرار تخبّط أهل السلطة. ولكن الى متى؟
قبل توصيف مجموعة السيناريوهات التي تم تداولها في الفترة الاخيرة حول التشكيلة الحكومية العتيدة التي طال انتظارها، توافقت مراجع سياسية وديبلوماسية أمام السيل الهادر من السيناريوهات المتداولة في شكلها ومضمونها، فدعت أصحابها الى التوقف عن هذا المسلسل ضماناً لما بَقي من صدقية لدى بعض المواقع الرسمية المعنية بالاستحقاق من كل جوانبه. وهو امر لا يمكن ان يضع له أحد حداً، سوى بوَقف الهرطقة الدستورية والقانونية المرتكبة في كل محطة يطرح فيها مخرج على طاولة الوساطات الخارجية والداخلية التي انهارت واحدة بعد أخرى رغم حجم الرهانات التي عقدت عليها في مراحل مختلفة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تبيّن لبعض المراقبين انّ الذين بأيديهم الحل والربط، يمارسون هواية التلاعب بأعصاب الوسطاء كما المواطنين – ولو بدرجات متفاوتة – بحثاً عمّا يبعد تهمة العرقلة عنه الى درجة افتقد فيها بعض الوسطاء الثقة بقدرتهم على السمع او الفهم عند تبادل الرسائل والمواقف بين المتخاصمين حتى لجأ البعض فيها أخيراً الى ادوات واجهزة سرية لتسجيل المحادثات والمناقشات كما المحادثات الهاتفية على انواعها من اجل مواجهة أي لحظة «حَرجة» تعرّض لها البعض بعدما إتهم فيها أنه ليس أميناً في نقل الرسائل وتبادل الآراء والمواقف في ما جرى من مفاوضات في بعض المحطات.
وانطلاقاً من هذه الآلية التي بوشِر باستعمالها في أكثر من مهمة، فقد عاب أحدهم على نفسه أن يلجأ إلى هذا الأسلوب الذي لم يكن مطروحاً في أي وقت من الأوقات من قبل. ومَردّ ذلك، في اعتقاده، انّ حجم التلاعب بالمواقف واعتماد اللغة «المطّاطة» في بعض المفاصل الدقيقة من المفاوضات الى درجة بات أسلوباً يدرسه البعض مُحتفظاً بحقه في اعطاء او نيل شهادة اختصاص علينا الاعتراف بها. وكل ذلك يجري في وقت يعترف فيه آخر أنه لم يتجاهل يوماً ان يكون مجهّزاً بآلات تسجيل للمواقف والمحادثات حتى في الفترة التي كان فيها هامش الحركة الكافي موجوداً لحَلحة بعض الأمور المتعلقة بإدارة شؤون البلاد والعباد.
واذا دخل أحدهم في كثير من التفاصيل، فهو يتجنّب سلفاً البوح بكل شيء، وهو ان اضطرّ في إحدى جلساته الخاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع الى الحديث تفصيلاً عند تفسيره لحدث ما، يكتفي بالإشارة وبنوع من الخجل إن كشف عمّا كان مستوراً من سَير المفاوضات في الأيام الاخيرة الماضية، معتبراً انّ ما جرى لا يمكن تفسيره بغير القول انه «التلاعب» بعينه بمصير الشعب الذي لم يعد أمراً معيباً. فالجميع وبلا استثناء يدركون ما عليهم من واجبات وما لهم من حقوق، فتقع المشكلة الحقيقية عندما يعجز عن القيام بواجبه ويتمسّك بما لا يمكن ان يحتفظ به او يطاوله.
لم يَشأ الشخص المعني تسمية الاشياء بأسمائها، ويلفت إلى انّ البوح بكثير ممّا لا يمكن إطلاع الرأي العام اللبناني عليه انه باتَ ملكاً حصرياً لديبلوماسيين ان تعاطوا مباشرة بأي ملف او كلّفوا من يعتبر على لائحة اصدقائهم بالمهمة. وهو أمر خطير جعلَ بعض المخارج التي يمكن اللجوء اليها تحتاج الى موافقات خارجية تُبطل مسلسل النظريات التي شدد عليها الرئيس نبيه بري أولاً ومن بعده قياديون وسياسيون لبنانيون، وصولاً الى مجموعة من الموفدين الأوروبيين وآخرهم كان موفد الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل الذي أعطى العقبات التي حالت دون تأليف الحكومة مَداها اللبناني عن «قصد قاصد» على قاعدة معرفته بالخطأ المرتكب من قبله، ولكنه يبدو أنه تجنّباً لما يمكن ان يبوح به، بما هو غير مسموح به.
وفي الإطار عينه، يتوقف المراقبون أمام سيل ما تضخّه الجيوش الالكترونية من روايات على مواقع التواصل الاجتماعي ومما تمكّنوا مِن نشره في بعض المواقع الاخبارية، فأدرَج رواية التشكيلة الجديدة من (6+6+6+6) بدلاً من صيغة الـ (8+8+8)، في محاولة «صبيانية» للإيحاء بوجود أرنب جديد يتلاعب بالتركيبة الحكومية بمعادلات رياضية لا تأتي بجديد سوى الايحاء أنّ هناك من يبحث عن حل يُرضي من خلاله أطراف الخلاف العاجزين عن التنازل عن التزامات خارجية قطعوها على أنفسهم، وارتضوا أن يكونوا «ماريونيت» تمنعهم من التحرك في الداخل اللبناني وتحول دون التنازل عن أي موقف متصلب رغم كلفته الباهظة على لبنان واللبنانيين.
عند هذه الحدود يتوقف الديبلوماسيون والوسطاء في إشارتهم إلى دور الذين أعاقوا الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة، فلا يبوح أيّ منهم بأيّ اسم لمسؤول سياسي او حزبي او من اي موقع كان رغم معرفة اللبنانيين بهم وبالأسباب التي تحول دون التوافق في ما بينهم. وان تردد الى الدرجة القصوى لحماية سر ما، فهو «ينزلق» في التدليل الى ما لا يريده عندما يربط بين المعوقات الحكومية والفشل في مواجهة الازمة الاقتصادية والنقدية التي يعانيها لبنان، بعدما قفز سعر الدولار الى أرقام خيالية انعكست مزيداً من الفقر والجوع على الطريق الى مرحلة قد يفتقد فيها اللبنانيون ما يريدون اقتناءه حتى ولو كان دواء او لقمة خبز او صفيحة بنزين.
عند هذه الملاحظات، يتوقف المراقبون عاجزين عن تقدير ما يمكن ان تشهده البلاد في المرحلة القريبة او تلك المتوسطة. فالتكلّم عمّا هو أسوأ مما نعيشه اليوم يدفع الى مزيد من الذعر والخوف، والحديث عن صيف لاهب يتعدى الإشارة الى الظروف المناخية للدلالة الى ما يمكن ان تعيشه البلاد من مصاعب وعوائق الى درجة الشلل الذي سيصيب القطاعات الاقتصادية والإنتاجية الكبرى نتيجة عوامل عدة مرتقبة.
وختاماً، لا يمكن تجاهل ما هو منتظر من مسلسل الإضرابات الذي سيشلّ بدءاً من غد معظم الوزارات والمؤسسات العامة امتداداً الى 9 تموز المقبل وهو ما يؤدي الى تجميد معاملات المواطنين الملحّة، لترتفع نسبة القلق عندما تتزامَن هذه التحركات مع ارتفاع جنوني في الأسعار التي يمكن ان تتبدل بين ساعة وأخرى، وهو ما سيُفاقم ردات الفعل التي لن تبقى متواضعة لقطع الطرق والتعبير عن غضب الناس الى ان تنفجر الحركة الشعبية مجدداً، وهي آتية لا مجال وفي وقت لا يمكن التكهّن به بين يوم وآخر.