لبنان ينتقل من المبالغة في تصغير الدور الذي يلعبه الرئيس المكلف تأليف الحكومة الى المبالغة في تكبير الدور. والحسابات في الحالين تتعلق بادوار الطائف وأمرائها تحت عنوان الدستور. وليست الاحتجاجات، وبعضها عن حق، على طريقة الرئيس المكلف مصطفى اديب في تركيب التشكيلة الحكومية سوى الوجه الآخر لصحوة أهل السلطة من “سكرة ” التسليم بـ”غربة الاحزاب” عن الحكومة. ولا شيء يمنع المحترفين في خداع اللبنانيين من ان يجربوا خداع الرئيس ايمانويل ماكرون. لكن اللعبة دقيقة جداً. فالرئيس الفرنسي لن ينام بلا عشاء اذا وصلت مبادرته الى طريق مسدود بمصالح النافذين. في حين ان اللبنانيين الذين ينامون بلا عشاء يواجهون الانهيار الكامل ان فشل الانقاذ.
ولا مهرب امام اصحاب المواقف، سواء كانت التعطيل او التسهيل، من سؤال انفسهم: ما هي الخطوة التالية؟ ماذا عن الستاتيكو – التفليسة، الذي يستحيل الحفاظ عليه وسط اضطراب داخلي ومقاطعة عربية ودولية؟ هل يعرف من يبحث عن مكاسب في كارثة ما يفعله في اليوم التالي، وان تصور انه في “آن ابدية” كما يقول مايكل غيرسون عن الرئيس دونالد ترامب؟
ما ينقص لبنان ليس الميثاقية بل الخروج من الهاوية المالية والاقتصادية والسياسية التي قادتنا اليها سياسات اهل السلطة تحت عنوان الميثاقية. والميثاقية ليست قطعة من المطاط يستطيع اي طرف مطّها كما يريد تبعاً لمصالحه. فهي عقد سياسي واجتماعي بين المسلمين والمسيحيين، لا بالمفرق بين المذاهب. واذا صارت بين المذاهب، فلا يمكن حصرها بين السنة والشيعة والموارنة، لان المثالثة في هذا الباب عودة الى ديموقراطية العدد وربما الى ديكتاتورية العدد بدل الديموقراطية التعددية. وفي هذه الحال، فان ما ينطبق علينا ونعاني مضاعفاته هو قول الكاهن الفرنسيسكاني ريتشارد روهر: “الشيء الوحيد الاخطر من أنانية الفرد وغروره هو أنانية المجموعة وغرورها”.
وقمة السخرية في كل هذه الأزمات التي تضربنا هي تصوير البحث عن فريق عمل في “حكومة مهمات” للانقاذ كأنه “انقلاب” على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. مرحباً أكثرية وأقلية في حال انعدام الوزن. فالسلطة الحقيقية، كما يقول البابا فرنسيس هي “في الخدمة”. والسلطة التي جاءت بها الانتخابات فقدت شرعيتها. لا فقط لأنها قصّرت في تقديم الخدمات للناس بل ايضاً لانها لا تحمي الوطن ولا تجد حرجاً في صنع الأزمات والاثراء من خلالها، ولا تملك حلولاً للأزمات.
يروي جيمس بيكر في مذكراته “سياسة الديبلوماسية” انه استخدم مثلاً اميركياً في الحوار مع مسؤول عربي يمارس التصعيد هو: “كلما تسلق القرد مكاناً اكثر ارتفاعاً أمكنت رؤية مؤخرته أكثر”.
وليس غريباً ان نسمع مثل هذا الكلام من ماكرون.