لم تعد المواقع، في لبنان، ذات طعمة إذ لعلّها تحوّلت الى عبء لشاغليها، وإلى عبء أكبر على الوطن. من هنا نفهم أن يأتي اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تأليف الحكومة وكأنه يُحرّر يدَيه من القيود.
والمسألة الأكثر إرهاقاً هي عمليّة تأليف الحكومة في لبنان وقد باتت بمثابة الأشغال الشاقة لشدّة ما يتخلّلها من أخذ وردّ، وفك وربط، ونصب العقد وحلحلة سواها.
وفي تقدير المُطّلعين على مسلسل المناورات، في مسألة التأليف، فإنه بين الـ76 حكومة التي شُكِلت في لبنان منذ العهد الاستقلالي الأول، وبين 87 حكومة لبنانية منذ الأولى في العام 1926، تُعتبَر الحكومة التي لم يشكّلها الرئيس سعد الحريري، والتي اعتذر، أمس، عن عدم تأليفها هي الأكثر استغراقاً للوقت من دون نتيجة.
أما الحكومة التي أُلِّفت بعد أطول مرحلة تكليف فهي حكومة الرئيس تمام سلام الذي بقي يحاور ويشاور عشرة أشهر ونصف الشهر (تحديداً 315 يوماً) إلى أن كان له ما أراد.
رئيس الوزراء كان لقبه «الوزير الأول» Premier Ministre، اقتداءً بالتسمية الفرنسية التي لا تزال معمولا بها في فرنسا وبعض البلدان الفرانكوفونية، تونس على سبيل المثال. وهذه التسمية التي انطلقت في العام 1926 تحت رعاية الانتداب الفرنسي لم تدم طويلاً، لتُصبح التسمية رئيس الحكومة، ورئيس الوزراء، ورئيس مجلس الوزراء. وقد تناوب على رئاسة الحكومة بضع شخصيات مسيحية، خصوصاً في زمن الانتداب الفرنسي. وبعضهم تولى رئاسة الوزارة مراراً. أما رؤساء الوزارة المسيحيّون فكانوا: أوغست أديب باشا، بشاره الخوري، حبيب باشا السعد، أميل اده، شارل دباس، أيوب تابت، باترو طراد. والملاحَظ أن هؤلاء عموماً تسلّموا لاحقاً موقع رئاسة الجمهورية.
وفي العهد الاستقلالي أُسندَت رئاسة الحكومة مرّتين إلى مسيحي، وصدف أن كليهما كانا في قيادة الجيش اللبناني أوّلهما اللواء الأمير فؤاد شهاب، والثاني العماد ميشال عون. وتتواصل المصادفة ليتمّ انتخاب كلَي القائدين رئيساً للجمهورية.
في دستور الطائف أُعطي مجلس الوزراء (مجتمعاً) صلاحيات ضخمة، لكن جرى سحبها من رئيس الجمهورية الذي كان قبل الطائف امبراطوراً غير متوَّج، يُعيّن الوزراء ويختار منهم رئيساً لهم إلخ…
ولكنّ الطائف أعطى الوزير صلاحيات مُطلقة في وزارته… ولأنّ الوزراء في لبنان هم موظفون عند معلّميهم السياسيين، وليسوا خدّاماً عند اللبنانيين كما هم شاغلو المراكز العليا في البلدان المحترمة، راح بعضهم يحوّل وزارته الى خليّة حزبية، كما يعرف اللبنانيون وتلك طامةٌ كبرى أسهمت في تشريع درفتي باب الفساد!