IMLebanon

كيف تصنع حكومة من خارج الدستور

 

تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل حكومة لا يمكن أن يخرج عن سياق متعمّد لإنتاج حكومات مكبّلة ومرهقة بتناقضات تنذر بتفجيرها من الداخل. هشاشة الحكومات بمعنى عدم تشكيل فريق عمل متجانس، وتحويل دور رئيسها إلى مدير للجلسات بدلاً من مسؤوليته عن تنفيذ السياسة العامة ومتابعة أعمال الإدارات والمؤسسات (المادة 64 من الدستور)، وتكريس واقعة اجتماعها في القصر الجمهوري بدلاً من اجتماعها في مقر خاص (المادة 65) اتّخذت، منذ وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، أشكالاً فاقعة لا زالت تتطوّر وتتجذّر لتحقيق إلغاء فعلي لموقع رئيس الحكومة وهو ما بلغ مراحل متقدّمة.

 

كلّ الظروف المحيطة بالتكليف وكلّ المبادرات المحلية ليست سوى استثمار في الوضع القائم. ففيما تمضي رئاسة الجمهورية في اختلاق الأعراف تحت عنوان الشراكة، من التسميّة قبل الإستشارات وتكريس عُرف حصّة الرئيس وتحويل الوزراء المسيحيين إلى وقف رئاسي، وتحويل توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم التشكيل إلى مرحلة تأهيل ينبغي للحكومة أن تجتازها قبل أن تتأهل للثقة في المجلس النيابي، يُمعن رئيس المجلس النيابي – بما له من سطوة كرستها نرجسيته في إدارة الجلسات ووضع جداول الأعمال – في الإطباق على الحكومة تحت عنوان تمكين الرئيس المكلّف، ومنحه نوعاً من المنعة والحصانة في مواجهة صلف رئيس الجمهورية. يتكئ الرئيس المكلّف على الرئيس نبيه بري الذي يختصر قرار الكتل النيابية المؤيّدة ويكفل عدم التسمية كتعبير متاح لغير المؤيدة، وهذا ما عبّرت عنه آخر الإرهاصات الدستورية: «الميثاقية ملزمة في التأليف وليس في التكليف». وبمعنى آخر، ترتع الرئاستان الأولى والثانية في فناء الرئاسة الثالثة، وتتبادلان الرسائل بتقاسم دورها وتذويبها، فيما يجهد نادي رؤساء الحكومات السابقين بدوره للرد بتكريس موقعه كحاضنة من خارج الدستور، مخوّلة بإعطاء الشرعية أو حجبها عن أي طامحٍ لرئاسة الحكومة، وجاهزة للتعامل مع الخرق المتمادي للدستور من قبل الرئاستين الأولى والثانية.

 

الرئيس نجيب ميقاتي ليس طارئاً على الحياة السياسية بل هو أحد رموز وصانعي مراحلها، لا سيما بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وربما أكثرهم برغماتية بحكم تنوّع نقاط قوته المالية، أو السياسية المبنيّة على قناعته باستحالة لعب دور الشخصية السنية الأقوى أو الوحيدة، وضرورة الإكتفاء بدور الشريك الوازن.يدرك نجيب ميقاتي استحالة التفاهم مع الرئيس ميشال عون، وهو اختبر استحالة التعايش مع جبران باسيل في حكومة واحدة. وقد يكون قبول الرئيس ميقاتي بالتكليف قد أتى من قبيل عدم جواز تكرار تجربة حسان دياب أو عدم ترك الموقع لأقدار غير محسوبة، تتيح ظهور «مرشحي الغفلة» الذين تلقى أسماؤهم من قبيل الإيحاء بالقدرة على استحضار طامحين غبّ الطلب في كل وقت. وهو يدرك كذلك، أنّ لا قيمة لأي وعود من أي جهة أتت، بتسهيل تشكيل حكومة مستقلة قادرة على الإصلاح واستعادة ثقة العالم العربي والمجتمع الدولي. العقبات معروفة، وهي في شقّها الإقليمي تفوق قدرة حزب الله على القرار، أما شقّها الداخلي الذي يظلل تفاهم مار مخايل وامتداداته في الإقتصاد والطاقة والقضاء وسواها ويحاكي طموحات الرئيس عون وحزب الله في استمرار الهيمنة على الحياة السياسية، فهو سيبقى العائق الأساس أمام أي إصلاح.

 

قد يجهد الرئيس ميقاتي في إظهار موقف متمسّك بحكومة إصلاحية، لأنّ السير في الإتّجاه المعاكس دونه محاذير ومخاطر تضاف إلى ما رتبته ثورة 17 تشرين وتبعات تفجير المرفأ. ولكنّه لن يبذل أي جهد لابتكار أو إختلاق أي سِمة إيجابية للعهد تضعه في موقع المواجهة، ليس مع الجمهور السني بل مع غالبية اللبنانيين الذين فقدوا الثقة بكلّ المنظومة السياسية وهم يحملون العهد برمّته مسؤولية ما آلت إليه حال البلاد.

 

لا تبدو فرصة تشكيل حكومة إصلاحية متاحة، فمسار التشكيل محكوم بثلاث عقبات غير دستورية، أولها التعجيز الرئاسي عن طريق التمسّك بالشروط المعروفة أو فرض الإنصياع لإخراج الرئيس المكلّف، وثانيها قدرة رئيس المجلس النيابي على تكريس موقعه كممر إلزامي لأي مرشح لرئاسة الحكومة وضبطه الصارم لإيقاع الكتل النيابية وآخرها الشرعية غير الدستورية التي كرّسها نادي رؤساء الحكومات القادر على إلقاء الحرم الطائفي والسياسي على كلّ متطفل. إنّ نجاح المجتمع الدولي في فرض إجراء الإنتخابات النيابية هو السبيل الوحيد لتشكيل حكومة انتخابات، ففي هذه الحال تصبح إدارة الوقت الفاصل ما بين لحظة التكليف والإنتخابات النيابية على قدر من الأهمية، ويصبح إنتاج حكومة من خارج الدستور متاحاً.