عون يحاول ابتزاز ميقاتي بفرض شروط تشكيل حكومة تلبي طموحات باسيل السياسية
لم يستغرق الامر شهورا او اسابيع طويلة، بل أياما معدودة،حتى يكتشف الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ومعه الرأي العام، ان رئيس الجمهورية ميشال عون، لا يريد تشكيل حكومة انقاذ حقيقية لحل الازمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان حاليا استنادا إلى المبادرة الفرنسية، وانما يسعى لتشكيل حكومة على قياس العهد وتضمن مصالح وريثه السياسي النائب جبران باسيل،بالبقاء على رأس كتلة نيابية مسيحية كبيرة، تمهد له الطريق لمنافسة بقية المرشحين للرئاسة الأولى بعد اشهر معدودة.ولذلك لم يكن مستغربا ان يستعمل عون صلاحياته الدستورية لتعطيل اي تشكيلة يطرحها الرئيس المكلف، لا تتطابق مع هذه المواصفات،مهما كانت الصيغ المطروحة مرنة وتأخذ بعين الاعتبار كل مقتضيات التوافق وعدالة التمثيل والابتعاد عن الاستفزاز والتحدي والتنافر. فجأة وبسرعة قياسية، تبخرت كل عبارات الانفتاح والتعاون الايجابي التي استبق فيها رئيس الجمهورية تسمية ميقاتي لرئاسة الحكومة وحلت محلها ترجمة تهديدات ووعود الوريث السياسي في كل المنتديات، بفركشة مهمة ميقاتي، لانه لا يحبذ وجوده برئاسة الحكومة ولا يهضم التعاطي السياسي معه، والاهم ان تسميته من دون موافقته وعن غير طريقه المعتاد. لم تكن عبارات المجاملة المنمقة، والاستعداد للتعاون الايجابي التي استهل بها رئيس الجمهورية لقاءاته التشاورية مع ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة، تحت عناوين انقاذ البلد والعهد،الا لذر الرماد بالعيون، ومحاولة ممجوجة، للتبرؤ من مسؤولية رئيس الجمهورية ووريثه السياسي، بتأجيج الازمة وبتعطيل وافشال مهمة الرئيس سعد الحريري على مدى الأشهر التسعة الماضية،والظهور بمظهر رجل الدولة الحريص على خلاص البلد خلافا للواقع والحقيقة.
فلا وتيرة اجراء الاستشارات البطيئة، ولا وضع ترتيب عملية التشكيل بصدارة الأولويات المطروحة، يدلان على رغبة جادة لدى رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة العتيدة بأقرب وقت ممكن، بل تعكس هذه التصرفات مماطلة متعمدة، لاعاقة التشكيل ووضع العصي بدواليب مهمة الرئيس المكلف، تارة برفع سقف المطالب والشروط التعجيزية، وتارة اخرى بتكرار مواصفات وتعابير المشاركة ووحدة المعايير وحقوق المسيحيين وما شابه من توصيفات ملفقة وملتوية،هدفها الوحيد اعاقة ولادة الحكومة وبقاء لبنان بلا حكومة اصيلة،ليتسنى لرئيس الجمهورية الاستمرار بادارة السلطة بمفرده بدون اي شريك فعلي في ظل وجود حكومة مستقيلة، كماهي حالها بالوقت الحاضر.
مايحصل الان في المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة وما يتداول من طروحات واقتراحات لتسميات محددة لوزراء محسوبين على رئيس الجمهورية، إن كان في الداخلية والعدلية وغيرها،لا يدل على رغبة بتشكيل الحكومة العتيدة بسرعة، لتباشر مهماتها فورا. ويبدو ان تكرار اساليب وممارسات تعطيل مهمة الحريري، قد بدأت بوتيرة ملحوظة مع ميقاتي،مايعني ان آفاق تشكيل الحكومة الجديدة، لا تبدو متيسرة، لاسيما اذا استمرت الممارسات نفسها للايام المقبلة،وعندها سيجد الرئيس المكلف مهمته امام حائط مسدود ويعتذر عن عدم التشكيل.
العبارات المنمَّقة لعون والاستعداد للتعاون الايجابي لم تكن إلا ذراً للرماد في العيون
وعندها لا يمكن لرئيس الجمهورية او فريقه السياسي الاختباء وراء اصابعهم،او التذرع بأسباب واهية،لان مسؤوليتهم اصبحت مثبتة بتعطيل مهمة اي رئيس حكومة لا يماشي تطلعاتهم ومصالحهم بعدما عطلوا مهمة اكثر من رئيس حكومة مكلف منذ حادث تفجير مرفأ بيروت المأساوي قبل عام. وهكذا قد يكون لبنان دخل في أزمة حكم حقيقة، لانه سيكون متعذرا لأي شخصية تخطي سقف الخطوط المرسومة للرؤساء المعتذرين الثلاثة على التوالي وتولي مهمة تشكيل الحكومة، اذا لم يحظَ بغطاء سياسي وشعبي وديني لقبول مثل هذه المهمة في هذه الظروف الصعبة.