حزب ایران في لبنان، غیر مهتم إطلاقا بموضوع تشكیل الحكومة. الحزب غیر مهتم بما وصل إلیه لبنان، مثله مثل القوى الخارجیّة اللاعبة على ساحتة. الجانبان یتصارعان على الساحة اللبنانیة. كلّ یستخدم آلیاته لتحقیق الانتصار، والشعب یدفع الثمن.
الجانبان یربحان الوقت من هذه الحالة، حیث تتابع إیران والولایات المتّحدة مفاوضاتهما تحت عنوان الاتّفاق النووي. من الواضح حتى الآن، أنّ الدول الدیمقراطیة، ولا سیما فرنسا والولایات المتّحدة ودول الناتو، لا یریدون خوض حرب جدیدة على الأرض اللبنانیة، بعد حروبها في سوریا والعراق ولیبیا والیمن. وهي تفضّل الحوار الجاري لإنهاء لیس فقط الواقع في لبنان، بل في الدول العربیة الأخرى. هم یأخذون من موضوع فقدان المواد الغذائیة والمحروقات والكهرباء والأدویة مبرّرا للإصرار على حكومة یعتقدون أنّها یمكن أن تساهم بتخفیف الضائقة اللبنانیة. یسعون إلى إقناع الرأي العام في بلدانهم، أن مشكلة لبنان هي الحاجة والعوز.وهم في هذه الحالة، یستفیدون من صراخ الناس، ولاسیما في مناطق الوجود الإسلامي (الشیعي والدرزي والسني)، الذین یشدّدون على لعن الفساد والسلطة الفاسدة، وتنقصهم الجرأة للمجاهرة بالحقیقة، ألا وهي ارتهان لبنان الى سلاح میلیشیا اشترت أركان السلطة بالترهیب والترغیب. فمن عارض قتل، ومن حالفها صار ملیونیرا. التحالف هنا لیس بالضرورة الإنضمام إلى جوقة «المقاومة وأنصار المقاومة»، وإنما بالتلاعب على الحروف والصمت، وعدم البوح بالحقیقة.
أهل السلطة یربحون أیضا المزید من عملیة تخدیر الناس إستعدادا للانتخابات. هم أیضا لا یكترثون فعلا بتشكیل حكومة لكنهم یریدون إرضاء الخارج، وخاصة فرنسا. لا تهمهم حالة الناس وأوضاعها، فكلما زاد الفقر، وزاد العوز والحاجة، زادوا تحكّما بقرار الناس. أما الرئیس عون وصهره وحزبهما، فیحتمون بحزب إیران. طالما الحزب مستمرّ في موقعه القوي، هم بخیر. ماذا یخسرون؟ لا شيء. الرئیس عون في نهایة ولایته، وسیبلغ التسعین قریبا. أمّا صهره وأركان حزبه فیعلمون أنّ لا حظوظ لهم أبدا في الفترة القادمة، ما لم یتمّ التوصل الى اتفاق إیراني أمیركي یعید لهم دورههم السیاسي.
فرنسا والولایات المتحدة وكل دول الناتو یدركون حقیقة الشعب اللبناني وقدراته الضخمة. یعلمون أنّ لبنان في ضائقة، لیس لأنه بلد فاشل، بل لأنّه بلد محتلّ. لكن الثورة وللأسف، لا تعرف كیف تخاطبهم. إذا كنا نرید أن نفهم السیاسة الدولیة، الأمیركیة والفرنسیة وغیرها، نحو لبنان، فإنّ علینا أولا أن نفهم شبكة مصالحها، لیس في هذه المنطقة فحسب، بل في العالم أجمع. ساد الولایات المتحدة وحلفاءها خلال الحرب الباردة شاغل أساسي هو محاربة الإیدیولوجیا الشیوعیّة التي تحوّلت إلى منظومة من مجموعة دول یقودها الإتّحاد السوفیاتي، وتملك القوّة العسكریة. وهي لذلك، أقامت علاقاتها مع دول المنطقة والعالم، على أساس هذه القاعدة، وساعدت على إنشاء الجمهوریة الإسلامیة في إیران لهذا الغرض. لم تهتمّ لشعارات هذه الجمهوریة ضدّ إسرائیل، التي ظلّت الحلیف والشریك الأول لها في هذه المنطقة. وقد سقط الإتّحاد السوفیاتي، ولم تعد الإیدیولوجیا الشیوعیة تشكّل خطرا علیها. لذلك، فإن مشاغلها بعد عام 1990، قد اختلفت. لكن هل هذا یعني أنّها أسقطت النظرة إلى إسرائیل كحلیف وشریك أول في هذه المنطقة؟
لا شكّ أنّ العلاقة الغربیة مع إسرائیل في مرحلة ما بعد الشیوعیة، لن تستمرّ كما كانت قبلها. وقد رأینا نموذجا حیا بهذا الصدد في مواقفها من تصرّفات وممارسات الرئیس الأمیركي السابق دونالد ترامب. الهاجس الأساسي للولایات المتّحدة والغرب إختلف عن السابق. العالم الآن في مركب إیدیولوجي واحد قائم على النظام الإقتصادي اللیبرالي. فالصین التي تتبنّى الشیوعیة في نظامها الداخلي، لا تقیم هذه الإیدیولوجیا هاجساً لها في علاقاتها الدولیة، بل انضمّت إلى كلّ المؤسّسات اللیبرالیة الدولیة وخاصة مؤسّسات بریتون وودز (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة الدولیة التي ترعى العلاقات التجاریة الدولیة). وقد فعل ذلك أیضا، الاتحاد الروسي. لكنّ طموح الصین والإتّحاد الروسي إلى تغییر النظام النقدي الذي یشرف علیه صندوق النقد الدولي، بغیة تحریرهما من هیمنة الدولار في السوق الدولي، صار یشكّل الآن الهاجس الأكبر للولایات المتحدة.
ad
برزت مؤخّراً تسریبات تقول أنّ الأمیركیین عرضوا على الإیرانیین مجموعة مقترحات بشأن لبنان، من بینها: إنشاء نظام جدید في لبنان یقوم على المثالثة بین السنّة والشیعة والمسیحیین، بحیث یحصل المسلمون على ضعف عدد نواب المسیحیین في المجلس النیابي وفي الحكومة والوظائف العامة. وبحیث تكون المثالثة في الظاهر، متساویة بین السنّة والشیعة. لكنّ النظام الجدید، سیعطي للشیعة بعض المراكز الأساسیّة، وأوّلها قیادة الجیش، بالإضافة إلى مدّعي عام التمییز. ویتم إرضاء السنّة بالمراكز ذات الطابع المالي/الإقتصادي. كما نصّت على اقتراح لإنشاء صندوق خاص بلبنان بقیمة ٧٠ ملیار دولاراً مموّل من السعودیة والإمارات ویتمّ استخدام أمواله لإعادة جزء كبیر من ودائع اللبنانیین، ولإعادة تفعیل النظام المصرفي.
یتّضح من مجموعة الإقتراحات المسرّبة، أنّ الولایات المتّحدة تتجاهل كلّیاً مضمون القرار 1701 لعام 2006، وكذلك إتّفاق الطائف الذي أقرّه مجلس الأمن، كما وتتجاهل مطالب الناس بملاحقة الفاسدین واستعادة الأموال المنهوبة. لكنّ الأهم من كلّ ذلك أنّها ما زالت تضع مصلحة إسرائیل فوق كلّ اعتبار. إسرائیل ما زالت الدولة التي تحظى بالأهمیّة الرئیسة في هذا الشرق. والغرض من تلك الإقتراحات هو تقدیم جزرة لإیران وحزبها، مقابل إجراءات تمنح إسرائیل الثقة بضمان أمنها على المدى البعید. مثل هذا الكلام یعني أنّ إیران وحزبها في لبنان، ومن لف لفیفهم، سیوافقون على إجراءات تنهي أيّ خطر أمنيّ مستقبليّ من جانبهم نحو إسرائیل. ومثل هذا الحدیث یبین أنّ الكلام عن المقاومة لیس سوى كلام في السیاسة. یجب أن لا یشغلنا عنوان «الإتفاق النووي» الذي تسعى الولایات المتحدة والدول الكبرى إلى التوصّل إلیه مع إیران. لا الولایات المتّحدة ولا روسیا ولا أحد یقبل أن تمتلك إیران السلاح النووي. مشروع الإتفاق هو ترتیب لدور إیران، بل وللقوى الكبرى، في إطار الشرق الأوسط الجدید. هذا الإتفاق لا یعني لبنان فحسب، وإنما كل دول المنطقة.
من المؤسف جداً، أنّ المواطن اللبناني، وعلى الرّغم من كلّ معاناته، ما زال یجهل حقوقه في القانون الدولي ویطلق شعارات لا تخدم مصالحه بل تعیق التّوصل إلى موقف للثورة یوازي هذا الخطر الذي یحدق بنا. المشكلة واضحة، وعلى اللبناني أن یحدّدها باختصار كبیر. نحن تحت احتلال مقنّع. أهلنا من الشیعة یعانون مثلنا. أرضنا مستباحة لمیلیشیات مرتبطة بمحور خارجي. نطالب بتنفیذ الأمم المتّحدة لقراراتها. لن یستجیب العالم لمطالبنا اذا لم نجرؤ على قول الحقیقة. فإذا كانت «المقاومة» مستعدّة لمنح إسرائیل الأمن من أجل السیطرة على لبنان، فمن واجب شعبنا التّأكید على اتّفاق الهدنة لعام 1949، لأنه یشمل كلّ اللبنانیین، وهو ملزم للأمم المتّحدة وإسرائیل، وفقا للمادة 40 من الفصل السابع من میثاق هذه الهیئة الدولیة.
على العقلاء في الشارع اللبناني، أن یتحرّكوا بفعالیّة أكثر نحو السفارات العاملة في لبنان، والتّأكید على مطلبنا بوطن حدیث یوازي الأوطان الدیمقراطیة الأخرى في العالم. كما ویؤكد على مطلبنا بالعدالة لوطننا وشعبه. من الضروري أن تتحرّك الجالیات اللبنانیة في الخارج للقیام بدور فاعل في هذه الدول لإقناعها بمطالبنا.