يُشكّل المشهد الضبابي المُحيط بمباحثات تأليف الحكومة، مجالاً واسعاً للتأويل والتفسير حول أسباب «الفتور» المفاجىء الذي حلّ على خط العلاقة «الهادئة» ما بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، وخصوصاً أن الأيام القليلة الماضية قد كانت حافلة بالاتصالات والمشاورات سواء بالمباشر أو عبر وسطاء ما بين الرئيسين، بدلالة حجم وكمية التسريبات الإعلامية، والتي تؤكد مصادر واسعة الإطلاع، أنها لا تتطابق مع الوقائع الفعلية لعملية التأليف الجارية وفق إيقاع بطيء بعض الشيء نتيجة الأحداث التي شهدتها الساحة الداخلية على مدى العام الماضي من جهة، وحال الانقسام الحاد الذي يُسجّل في أكثر من مجال بين القوى السياسية من جهة أخرى، وذلك، من دون إغفال الأزمة الخطرة المتمثّلة بالانهيارات المتتالية في القطاعات الحيوية والخدماتية على طريقة «الدومينو»، وهو ما بات يُنذر باقتراب المحظور.
وفيما تؤكد هذه المصادر، أن خطوط الاتصال غير مقطوعة بين الرئيس عون وميقاتي، فهي تلفت الى دخول عناصر جديدة على مسار النقاش الحكومي، وهي تتّصل بالكامل بالمسألة الاجتماعية وبالأزمات الحادة على الصعيدين المالي والاقتصادي والاجتماعي والصحي، في ضوء ارتفاع أصوات التحذير من المرحلة المقبلة عندما تتوقّف دورة الإنتاج في البلاد، كما توقّف بالأمس معمل الأمصال الذي يغطي 70% من حاجة السوق المحلي عن العمل بسبب عدم توافرمادة المازوت.
ومن هنا، فإن التأخير في تحديد موعد الاجتماع المقبل في قصر بعبدا، قد وضعته المصادر نفسها، في سياق استكمال التشاور «عَن بُعد»، وذلك، بعدما عجزت كل الإجتماعات السابقة عن إحداث خرق في البنود الخلافية، والمتعلّقة تحديداً بوزارة الداخلية اليوم وبوزارة الشؤون الاجتماعية غداً، والتي باتت تحتلّ مركزاً بارزاً بين الحقائب المطلوبة، مع تركيز الجهود المحلية والدولية على دعم الجمعيات أولاً، ومع الإقتراب من حسم مسألة البطاقة التمويلية التي ستحدّد وزارة الشؤون الإجتماعية المعايير التي يجب أن تنطبق على المستفيدين منها والذين تُقدّر أعدادهم بالآلاف، وذلك على خلفية اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
وعليه، فإن ما جرى التوافق حوله في الاجتماعات الأخيرة، ما زال ينتظر الأجوبة، وذلك بالنسبة لعدم إدخال أي تعديلات على صيغة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، كما تكشف المصادر ذاتها، والتي تكشف أن الصيغة التي درج عليها تأليف الحكومات في السابق، باتت الوحيدة المقبولة، على الأقل حتى بلورة الاتجاهات في الاجتماع المقبل في القصر الجمهوري.
وبالتالي، تعتبر المصادر المطّلعة نفسها، أن الوقت ما زال مُبكراً للحديث عن فشل أو عجز عن التأليف أو عن وصول المباحثات الحكومية إلى الطريق المسدود، وخصوصاً أن الرئيس المكلّف ركّز على أن الأمور في «خواتيمها»، وإن كان لم يحدّد طبيعة هذه الخواتيم والتي قد تكون إيجابية أو قد تكون سلبية، فتتّجه الأمور إلى المزيد من المراوحة بانتظار نتائج التحرّكات الجارية قبل تحديد موعد الاجتماع المقبل، وذلك، في ضوء ما يُنقل عن ميقاتي، تأكيده أمام زواره أن مهلة التأليف لن تبقى مفتوحة.