قد لا يصعب كثيراً تفسير اسباب ضمور التفاؤل بقرب تأليف الحكومة، رغم الكمّ الوافر من الانطباعات، كما الاشاعات والتكهنات والمعلومات حتى، التي رافقت التبشير بولادتها قبل انقضاء شهر على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، بعد غد
مع ان دلالة الاستعاضة عن الاجتماعات المباشرة ما بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي والاكتفاء بتبادل الرسائل عبر موفدين توحي بالسلبية، الا انها تعكس في المقابل اشارة ايجابية، تفيد بأنهما يريدان تفادي الخلاف العلني والمواجهة على نحو ما رافق تكليف الرئيس سعد الحريري. كلاهما مصر على ارسال علامات صحية الى استمرار حوارهما وعدم بلوغه الحائط المسدود. وهو ما فعله رئيس الجمهورية البارحة ايضاً. كلاهما ايضاً لم يستنفدا الحوار، وإن تباينا اخيراً في مقاربة كل منهما بعض الاسماء في بعض الحقائب. المعلن كذلك، ان لا سبب لعدم تأليف الحكومة ما دامت لا اعتبارات شخصية تقف في طريقهما. كما ان كلا الرئيسين في حاجة اليها لتفادي ما لا يعود في الامكان تفاديه في ما بعد، وهو الانهيار الشامل.
مذ انقطع ميقاتي عن زيارة قصر بعبدا منذ الخميس الفائت، وتعثر جهود التأليف في الايام الاربعة المنصرمة، توسّعت دائرة التكهنات المراد ان تُنسب اليها دوافع التعثر، بما يتجاوز مجرد الخلاف على بضعة اسماء، بعدما بدا ان الرئيسين انجزا تماماً توزيع الحقائب على المذاهب والقوى السياسية المعنية بتمثيلها غير المباشر في الحكومة الجديدة. في حسبان البعض المطلع، ان الموقفين المتلاحقين للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، الخميس ثم الاحد، شكّلاً اضافة غير محسوبة على اسباب التعثر، بعدما كشف عن مفاجأتين انقسم السياسيون والرأي العام من صواب توقيتهما او عدمه، وارتباطهما المباشر بتأليف قال الرئيسان انه صار في امتاره الاخيرة.
رغم ان المفاجأة الاولى ليست كذلك بالضرورة، بعدما كان نصرالله تحدّث عنها مراراً بالتدرّج، تلميحاً ثم اقتراحاً ثم ترغيباً ثم تأكيداً، بجرعات مخففة، قبل ان يجزم بأنها اضحت حقيقة في طريقها الى الشاطىء اللبناني، وهي السفينة الايرانية الاولى المحملة وقوداً، اتى ما افصح عنه الاحد مفاجأة صاعقة وخطيرة في آن: استعداد ايران للتنقيب عن النفط اللبناني في حماية سلاح حزب الله.
كلا موقفي نصرالله لم يتزامنا بفعل مفارقة، ولا تطابق توقيتهما مع الامتار الاخيرة المحتملة لتأليف الحكومة بفعل مصادفة. الاصح انهما مدروسان في صوغ مضمونهما وتوقيتهما والمتوخى من تداعياتهما، خصوصاً انهما يصبان في مسار واحد، هو تأكيد دور جديد للجمهورية الاسلامية في لبنان من خلال الحزب بالذات.
ميقاتي يختبر الامتحانين الصعبين: قوة توقيع الرئيس وقوة سلاح حزب الله
مع ان موقف الخميس برّره احياء ذكرى عاشوراء، بيد ان موقف الاحد في ذكرى اسبوع احد كوادر حزب الله عباس اليتامى، وجّه رسالة حادة الى الداخل والخارج في آن، في مسألة ليست في الوقت الحاضر مثار سجال داخلي او اهتمام رسمي، وهو التنقيب عن النفط اللبناني. بعض الذين يسهبون في قراءة الاشارات، قاربوا رسالتي الخميس والاحد على انهما مصوّبتان مباشرة الى الرئيس المكلف، لا حتماً الى رئيس الجمهورية حليف الحزب، كما لو ان تحدييْن اثنين لا يسعه حمل وزرهما، معاً او تباعاً، ينتظرانه: ان يُفرض عليه اولاً قبل ابصار حكومته النور التسليم بإنزال شحنة وقود ايرانية على الاراضي اللبنانية، من دون موافقة السلطات الرسمية اللبنانية، ومن ثمّ تحوّل مدّ ايران لبنان بوقود شأناً يومياً اعتيادياً وهو ما اكده نصرالله. ثم ان يُفرض عليه في ما بعد – بعد تأليفها – توقّع الاخذ في الاعتبار دوراً ايرانياً جدّياً في استخراج النفط، او في احسن الاحوال عدم استبعاد الجمهورية الاسلامية من لائحة الدول المحتملة لدخول سوق التنقيب. يمنحها ذلك مزيداً من التغلغل في الشأن اللبناني. ادهى ما فيه هذه المرة انه يتوغّل في العصب الشعبي من خلال الاقتصاد والهمّ المعيشي، ولا يكتفي بالدوافع الدينية والعقائدية والسياسية والامنية والعسكرية في علاقته بحزب الله بالذات.
واقع ما بات عليه تأليف الحكومة، في معزل عن الخلاف على اسماء وحقائب واهمية هذا الجانب في اجتماعات قصر بعبدا، ان الرئيس المكلف يختبر اليوم سلاحين مهمين ماضيين يصعب فصل احدهما عن الآخر، في ظلّ التوازنات السياسية القائمة المستمرة منذ مطلع الولاية: قوة سلاح التوقيع الدستوري لرئيس الجمهورية كي تبصر الحكومة النور، وقوة سلاح حزب الله في بُعده المعنوي الذي منح حامله قدرة على التأثير المباشر في قيادة البلاد، ما لم يكن على قيادتها الفعلية في خيارات غير مسبوقة او مألوفة، او يسهل هضمها بالضرورة. الموقفان الاخيران لنصرالله قدّما امثولة فعلية وجدّية لمغزى هذا التأثير في طرح بدائل، قد لا يسع ميقاتي تحمّل تداعياتها عليه – قبل ان تكون على حكومته – لاسباب ثلاثة على الاقل:
– اولها، ان اي خلاف مفترض – مع انه حاصل بلا تضخيم – على اسماء مستوزرين، لا يحمل اي دافع كي لا تتألف حكومة يصرّ الرئيسان المعنيان يوماً بعد آخر على الرغبة في التعاون معاً، وعلى تبادلهما تخاطباً لائقاً ومحترماً. لا يكتم احدهما – في العلن على الاقل – عن الآخر اعترافه بالشريك الثاني دونما استئثار بالدور. لم تُثر بينهما منذ تكليف ميقاتي اية احاديث عن نطاق الصلاحيات الدستورية وحدودها، ولا عن الاجتهادات في تفسير مطاط لها. لم يتجاهل احدهما الآخر، ولم تتطاير من فوق رأسيهما فضائح الاوراق والاهانات. مؤشرات كهذه كافية كي تغلّب فرصة التأليف على الاعتذار. سلّم ميقاتي بقوة التوقيع الدستوري لعون، مقدار اعتقاد عون – اذا كان فعلاً يريد حكومة جديدة – بأن ميقاتي هو آخر فرصة سنّية له للوصول الى هذا الهدف، بغية انقاذ ما تبقى من السنة الاخيرة للولاية.
– ثانيها، الخشية من ان يكون موقفا نصرالله في صلب استقطاب اميركي – ايراني جديد، يتخذ من لبنان ساحة تجاذب وتناحر مباشرة له. المثير للقلق المُعرَّض لأن يثير الكثير من التساؤلات والتكهنات، ان الوصول الآمن للباخرة الايرانية الى الشاطىء اللبناني وافراغ حمولتها فيه له ما يكفي من الدلالة، مقدار الدلالة التي يحملها استهدافها قبل الوصول الى الشاطىء، او عند رسوها فيه، او منعها من اكمال مسارها بعيداً منه. هو كذلك امتحان مغزى تهديد نصرالله باستخدام سلاح حزب الله للدفاع عن الارض اللبنانية على سطح الباخرة هذه.
ثالثها، مع ان اولى النصائح التي تلقاها عند تكليفه، كانت من الفرنسيين بعدم الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة اياً تكن وطأة الصعوبات، ستتوافر للرئيس المكلف اسباب شتى كي يغادر الملعب الساخن في ظل الاستقطاب الاميركي – الايراني، خصوصاً ان شريكه الدستوري الذي هو رئيس الجمهورية في الموقع نفسه لحزب الله، يوفر له التغطية والدعم الكاملين غير المشوبين بأي تحفظ. الامر الذي يضاعف من ارباك ميقاتي في بيئته السنّية بداية، لكن ايضاً على نطاق اوسع يرتبط به مباشرة، وبمصالحه الواسعة الانتشار في البلدان العربية كما في الغرب. مجازفة معاكسة غير مأمونة الجانب إن لم تكن مكلفة.