لم تفلح «رشّة التفاؤل» التي تمّ الترويج لها والإيحاء للبنانيّين أنّ الحكومة على وشك الولادة هذا الأسبوع حتى كشفت بيانات «الثلث المعطّل» ستار التفاؤل وأعادت الجميع إلى حقيقة أنّ لبنان في عنق زجاجة يظلّ عالقاً فيه دائماً مهما اختلفت أسماء أزمته، عالق في فخّ فراغ حكومي وسط تماسيح مفترسة تمنع تشكيل الحكومة، يتسارع الانهيار حتى لنكاد نظنّه سيقع في طرفة عين، وهنا لا بُدّ من القول إنّ الحلول السلحفاتيّة العاديّة لن تغيّر حرفاً في مسار الانهيار، وهذه الطبقة السياسيّة تغضّ طرفها عن كلّ هذه الحقائق المخيفة من أجل مصالحها الشخصيّة، كلّ هؤلاء لا يبالون لو مات الشعب كلّه في سبيل بقائهم في مناصبهم!
سيبقى التشكيل عالقاً عند وزارتيْـن أو إسميْـن وستستمرّ مناورة «الثلث المعطّل» وإن استترت خلف عناوين أخرى، رائحة جبران باسيل تعبق في أجواء التشكيل حتى وإن كان الذي يتولّى المفاوضات وبشكل مباشر هو رئيس الجمهوريّة، لم يعد مفيداً الالتفاف على الدّستور والتحايل على الصلاحيّات، هذه كلّها لن تطمس الحقيقة، ولن تعفي أحداً أو تبرّأ أحداً من مسؤوليّته في تعطيل البلاد والعباد، حتى الحديث عن ضغوطات فرنسية وأميركية لإنجاز عمليّة التشكيل لم تثمر طوال عام كامل ولم تولد حتى الساعة حكومة قادرة على إنقاذ لبنان، خصوصاً وأن الدّول التي تتولّى مخاطبة لبنان تعتبر أنّ هذه الحكومة هي الفرصة الأخيرة لإنقاذه.
من المؤسف أنّ الذين يديرون الشأن اللبناني»مافيا» مدرّبة على نهب ثروات الشعب، ولن تغادر هذه الطبقة السياسيّة الحكم إلا بعد إفلاس البلد وانهياره التامّ؟! مجدّداً نجد أنفسنا أمام أحاديث المسؤولين اللبنانيّين عن حكومة إنقاذ مزعومة من الاختصاصيين وعن نَذْرِ العفّة والتقشّف، مع أنّنا على يقين أنّ ما يحدث في لبنان وللبنان هو «فرطٌ للبلد» و»إجهازٌ» عليه لصالح أجندة إقليميّة، وما يفعله حزب الله هو نفس ما كان يفعله النظام السوري الذي اختطف «الورقة اللبنانيّة» ليستغلّها في مفاوضاته مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد عام 1993 تحت عنوان وحدة المسار والمصير، من دون هذا العنوان النظام الإيراني يختطف لبنان ورقة يضغط بها على الأميركي في انتظار نتائج التفاوض معه حول ملفه النووي وصواريخه الباليستيّة، وأرض لبنان واحدة من منصّات هذه الصواريخ، ولن يكون بإمكان لبنان أن يتحمّل عبء الارتماء نهائياً في الحضن الإيراني ومحور الممانعة، لا تزال إيران تحاول جرّ النّصف اللبناني الرّافض لأجندتها ومخططها للبنان، وهذا النصف يقاوم أعزلاً وباللحم الحيّ الرغبة الإيرانية العارمة في فرض نظامها على لبنان القابع في حفرة تعطيل تشكيل حكومة مهما دسّوا التفاؤل بين سطور يوميّات «عَلْعلة» التشكيل والتعطيل!