على غرار كبرى القوى السياسية يخوض رئيس الجمهورية للمرة الثانية في عهده «معركة» انتزاع حصة وزارية، بالعدد والحقائب والأسماء، بعدما قادت معركتُه الأولى عام 2016 الى تثبيت هذا المكسب، لكن مع تكريس الحدود «الوهمية» الفاصلة بين حصته وحصة «تكتل التغيير والإصلاح» آنذاك. الأمر سيتكرّر في حكومة العهد الثانية. حصة ثابتة وحدود «وهمية» مع فريقه السياسي عنوانها المخفي «الثلث المعطّل».
عاَبَ «الجنرال» طويلاً على الرئيس ميشال سليمان أيّ كتلة مرجّحة.
في مؤتمر صحافي عقده في الرابية في شباط 2011 قال إنّ «حضور رئيس الجمهورية اجتماعات مجلس الوزراء ليس ضرورياً. ولماذا نعطي (ميشال) سليمان كتلة مرجّحة؟».
وفيما أكد عون في المؤتمر نفسه «أن لا حقوقَ لرئيس الجمهورية»، سأل «أين النصّ الدستوري الذي يعطيه هذا الحق؟ وإذا كنتم تريدون هذا الموضوع، فنحن أوّل مَن سيصوّت على النص، ونوقّع تعديلاً للدستور لإعطاء رئيس الجمهورية نسبةً مئوية من الوزراء».
على مدى ستّ سنوات ومن خلال أربع حكومات، حافظ رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان على حصّة وازنة داخل الحكومات، غطاؤها الإقليمي إتفاقُ الدوحة، ومبرّرُها الداخلي عدم وجود كتلة نيابية لسليمان في مجلس النواب، ما يمنحه قوة القرار على طاولة مجلس الوزراء.
الرئيس نبيه بري كان ولا يزال لديه موقفُه الواضح من المسألة، وتكرّره أوساطُه اليوم «ثمّة علامات إستفهام حول المبدأ من أصله، وإلّا فلمَ عندها لا يطالب رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة بحصص منفصلة أيضاً عن كتلتيهما».
عمليّاً، هذا ما أوحى بفعله الحريري، عبر تسريباتٍ أخيراً من فريقه، طرحت السؤال نفسَه ولمّحت لحصة «دولته» المنفصلة عن «تيار المستقبل».
لكنّ الرئيس المكلّف كان «مجبوراً» بواقع آخر تماماً. بدل أن يطالب بحصة منفصلة، هو «يجاهد» على خطّ منع توزير أيِّ سنّي محسوب على «خطّ الممانعة»، وبالتالي حماية «خماسيّته» السنّية من أيّ اختراق، بعد تسليمه منذ البداية، وبناءً على توافق مسبَق بينه وبين عون قبل الانتخابات النيابية، على أنّ السنّيَ السادس من حصة بعبدا.
في منطق الحريري، يجوز توزيرُ سنّيٍ من 8 آذار «غير فاقع» بحالة واحدة عبر تبنّيه من جانب عون. لكنّ الأخير على قراره: ثلاثة وزراء يسمّيهم شخصياً ومحسوبون على خطّه «الرئاسي».
الحكومة الأولى لميشال سليمان في 2008 ضمّت ثلاثة وزراء محسوبين على العهد والثانية في 2009 ضمّت أربعة وزراء و»الوزير الملك» عدنان السيد حسين.
ثالثة الحكومات في عهد ميشال سيلمان في 2011 ضمّت سمير مقبل، ناظم الخوري، مروان شربل، ورابعة الحكومات في 2014 شكّل الثالوث سمير مقبل واليس شبطيني وعبد المطلب حناوي حصة الرئيس في الحكومة.
بين أولى حكومات عهد عون وثانية حكوماته يتصرّف رئيس الجمهورية على أساس أنه «قائد أوركسترا» توزيع الحصص المسيحية وغير المسيحية في الحكومة، وليس فقط «حصة العهد» الثلاثية. وفق المعلومات، يتمسّك عون بحصة لتكتل «لبنان القوي» من سبعة وزراء وليس ستة، إضافة الى ثلاثة وزراء من حصة بعبدا.
تقول مصادر مطلعة جداً على عملية التأليف «في الحكومة الماضية أوكل الحريري جزءاً كبيراً من عملية التفاوض لمستشاره نادر الحريري الذي تكفّل بتدوير الزوايا. اليوم يخوض الحريري كباشاً مباشراً مع عون وجبران باسيل دفعه الى التعبير عن استيائه الواضح من أسلوب الفرض وتكبير الأحجام، على حساب الجميع، ما قد يهدّد التأليف ويُدخله في نفق الاستنزاف لأشهر». حتى الحريري نفسه، وفق قريبين منه، غيرُ مقتنع بحصة لرئيس جمهورية لديه كتلة نيابية، وفي نهاية المطاف يجلس الوزراءُ المحسوبون على عون على طاولة الوزير باسيل ويأتمرون بتوجّهاته!.
منذ بداية التفاوض كان رئيسُ الجمهورية الأكثرَ تشبّثاً بواقع أنّ حجم «القوات اللبنانية» ثلاثة وزراء فقط، على اعتبار أنّ تفاهمات «معراب» منحت «القوات» حصة مضخّمة في حكومة العهد الأولى تنتهي صلاحيّتها عند استقالة الحكومة، لتعيد الانتخابات النيابية فرزَ الأحجام مجدداً بعيداً من «الهدايا المجانية».
واقعٌ «تكذّبه» القوات» متمسِّكة بـ «شيك» المناصفة «المكتوب»، وعلى مدى كامل حكومات العهد، من دون أن تتمكّن من صرفه حتى الآن. أعلى سقف يمكن أن تصل اليه بعبدا منح حليفها «اللدود» سمير جعجع أربعة وزراء من دون منصب نائب رئيس الحكومة، لكن حتى الآن رفض باسيل لا يزال قائماً مع تحفّظ على نوعيّة الحقائب.
أما درزياً فرئيس «تكتل لبنان القوي» جبران باسيل غيرُ قادر حتى الآن على الالتزام بوعد توزير طلال إرسلان الذي وقّع معه «ورقة تفاهم» على أبواب الانتخابات النيابية.
تقول أوساطٌ مقرَّبة من بعبدا «يُخطئ مَن يعتقد أنّ الحكومة لن تشكّل من دون النائب إرسلان، فالأمور لن تصل الى هنا. عملياً هناك عقدتان على الحريري وليس أيّ أحد آخر حلّهما: تمثيل المعارضة السنّية في الحكومة والعقدة الدرزية بالتوصّل الى حلّ قد يكمن من خلال توافق جنبلاط وإرسلان على الدرزي الثالث، كتسوية، بحيث يكون من حصتهما سوياً». عندها يفترض أن تصبح حصة الرئيس مكوّنةً من سنّيٍ ووزيرَين مسيحيَّين.
وترى الأوساط «أنّ حلّ هاتين العقدتين سيسهّل حلحلة العقدة المسيحية»، مشيرة الى أنّ المطالب غير المنطقية لـ «القوات» هي إما بسبب محاولات عرقلة ولادة الحكومة، وإما التشاطر والتذاكي عبر الإيحاء بأنّ الحريري لن يشكّل حكومةً من دون رضى القوات»!
في حكومة 2016 بدا أنّ حصة «العهد» تشمل نظرياً وزراء الرئيس و»التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» بفعل وهج المصالحة. تبدّت كقوة ضغط مسيحية تتجاوز بمفاعيلها الثلث المعطّل، لتشكلَ أكبرَ كتلة مسيحية مجيّرة لرئيسِ جمهوريةِ ما بعد اتّفاق الطائف، مع ما يعني ذلك من إدارة للقرارات داخل الحكومة. لاحقاً أبرزت الاصطفافاتُ ضمن الحكومة محاورَ جديدة قوامها «التيار الوطني الحر» و»المستقبل» في مقابل كل الكتل السياسية تقريباً، على رأسها «القوات».
لا شئَ يوحي أنّ المعادلة ستتغيّر في الحكومة المقبلة، الفارق فقط أنّ «رادار» العهد يلتقط توجّهاً عاماً باعتبار الحكومة التي ستولد قريباً ستكون الثانية والأخيرة في العهد، لتصبح حكومة تصريف أعمال بعد الانتخابات النيابية المقبلة. واقعٌ يدفع الجميع الى التمسّك بمكتسباته في حكومة «العمر الطويل» ورسم توازناتها بميزان الذهب.
أبعد من ذلك ثمّة مَن يطرح سؤالاً جوهرياً «هل ستكون المرة الأخيرة التي ستُتاح لرئيس جمهورية التفاوض على حصة وازنة له داخل الحكومات؟».