سواء مرت جلسة مجلس الوزراء اليوم بسلام، او اضطربت، او حيل دون متابعتها، لن يعدو ما قد يحدث سوى حلقة في سلسلة. ليست الازمة الاولى، ولن تكون الاخيرة. لن يسع احد الذهاب الى ابعد. لا خيار الا اللعب في وسط الملعب
تواجه جلسة مجلس الوزراء اليوم امتحانا مزدوجا وصعبا لفريقي التجاذب، رئيس الحكومة تمام سلام والكتل الوزارية المؤيدة له، ووزراء تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله. يلتقي الطرفان على حتمية الالتئام بنصاب دستوري مكتمل وحضور كامل والتمسّك بالبقاء في صفوف الحكومة، ويفترقان على كل ما هو سوى ذلك: اولويات جدول الاعمال، نصابا اتخاذ القرارات وتوقيع المراسيم، دور الوزراء مذ انتقلت اليهم صلاحيات رئيس الجمهورية. يفرّق بينهما ايضا تقدير كل منهما اللحظات التي ستجبه المجلس ما ان يدعو رئيس الحكومة الى الخوض في بنود جدول الاعمال.
يجزم الفريق الاول باستمرار اعمال الجلسة على نحو طبيعي، بعد تجاوز اي جدل محتمل يرتبط بالتعيينات العسكرية والامنية، سواء لجأ المجلس الى التصويت على الخوض في هذا الموضوع او تغاضى عنه، ولسان حال الغالبية المؤيدة لرئيس الحكومة حجتان:
اولى، ضرورة تسليم الاقلية بارادة الغالبية، ومجاراتها من اجل المحافظة على حسن تسيير اعمال السلطة الاجرائية المنوط بها، مجتمعة، صلاحيات رئيس الجمهورية. للمرة الاولى منذ تأليف حكومة سلام في شباط 2014، يسري حديث عن اكثرية واقلية، وعن اعادة توزيع القوى الممثلة في مجلس الوزراء على نحو يتخطى قوى 8 و14 آذار، والانتقال به تاليا من ثلاث ثمانات الى فريقين لا تقيم بينهما شكوك في ميثاقية الاصطفاف: وزراء قوى 14 آذار يترأسهم تيار المستقبل زائدا وزيري رئيس مجلس النواب نبيه بري زائدا وزيري رئيس الحكومة زائدا وزراء الرئيس ميشال سليمان زائدا وزيري النائب وليد جنبلاط، قبالة 6 من وزراء قوى 8 آذار.
لا يكتفي هذا الفريق العريض بالتمسك بانعقاد مجلس الوزراء، واتخاذه قرارات، وتشبثه بعدم التعرّض للصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة فحسب، بل يذهب الى ابعد من ذلك من خلال التقائه على قراءة مشتركة لطريقة عمل مجلس الوزراء، عرّاباها رئيسا البرلمان والحكومة: الاحتكام الى آلية عمل مجلس الوزراء واخضاع اتخاذ القرارات وتوقيع المراسيم وكالة عن رئيس الجمهورية لنظامي النصاب المتبعين في مجلس الوزراء: الثلثان حيث يقتضي، والنصف+1 حيث يقتضي ايضا.
ثانية، دق ناقوس خطر عالي النبرة هو ان الوزارات قد تكون على وشك التوقف عن دفع رواتب موظفيها ما لم يصر الى معاودة مجلس الوزراء اجتماعاته واقراره سلف مالية لها ــــ من بينها خصوصا وزارة الدفاع ــــ من احتياطي الموازنة بغية تسديد الرواتب ما دامت لا تزال، لسنوات طويلة خلت، تعوّل في غياب اقرار الموازنة العامة على القاعدة الاثنتي عشرية. لا يقلل هذا الفريق من اهمية الخطر الذي يدهم هبات وقروضا بمبالغ ضخمة وعدت الدولة اللبنانية بها مؤسسات مالية دولية على وشك ان تتبخر، ما لم يصر ايضا الى اتخاذ قرارات بالموافقة على قبولها. على ان الشق المرتبط بالوزارات نفسها واقتراب نفاد المال لديها اضحى ـ او يكاد ـ الاكثر الحاحا.
يقول هذا الفريق ايضا، استنادا الى ما لمسه من رئيس الحكومة، ان مجلس الوزراء في ظل انقسامه على الموقف من التعيينات العسكرية والامنية، ورفض فريق الغالبية ما يتمسك فريق الاقلية بطرحه اياها في هذا الوقت بالذات، يجد نفسه في حال مطابقة لما يحض عليه رئيس مجلس النواب، وهو «تشريع الضرورة». هذا ما يعنيه ميل سلام ــــ اذا تمسك وزراء تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله بالاعتكاف او المقاطعة ــــ الى الاكتفاء ببنود يتطلب اقرارها النصف +1 من نصاب مجلس الوزراء، والابتعاد قدر الامكان عن تلك التي يحتاج اقرارها الى الثلثين على نحو التعيينات العسكرية والامنية او سواها.
على طرف نقيض من وجهة النظر هذه، حدد تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله سقف رد فعله كالآتي:
ــــ لن ينسحب وزراء التكتل والحزب من اي جلسة، من اجل ان تستمر من دونهم.
ــــ لن يكونوا في وارد التصرّف كأنهم في طور الحرد والاحجام، وتالياً الانقطاع عن اجتماعات مجلس الوزراء. بل لن يترددوا في ابداء اي رد فعل سلبي ايا تكن نبرته، كي يؤكدوا ان لا مجلس للوزراء في معزل عنهم او رغما عنهم حتى.
ــــ لن يقبل تكتل التغيير والاصلاح وحزب الله، ووزراؤهما حاضرون داخل الجلسة، بالانتقال الى اي بند آخر ما لم يصر الى بتّ التعيينات العسكرية والامنية. البديل منها: لا قرار آخر.
ــــ لا اولوية في جدول الاعمال تتقدم بند التعيينات العسكرية والامنية، واخصها المدير العام الجديد لقوى الامن الداخلي والقائد الجديد للجيش.
ــــ يحظى الرئيس ميشال عون بأوسع دعم من حزب الله في ما يسميه احدى آخر معاركه السياسية، منذ انقطع في الاسابيع المنصرمة عن الافراط في الكلام عن الاستحقاق الرئاسي. اوصد دونه الابواب ويتصرف بازائه بتجاهل واهمال تامين، وقلل اظهار تمسكه بتعيين قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز قائدا للجيش دونما التخلي عنه بالتأكيد، وذهب الى حد لم يسعه قبلا ان يطأه، هو تأكيده انه ــــ بدوره ــــ يملك فيتوا مسيحيا موازيا للفيتو السنّي والشيعي.
ما يعنيه عون ضمنا، ويوشك على الجهر به، هو مفاعيل الفيتو المسيحي: كما يقف الفيتو السنّي حائلا دون مسّ اتفاق الطائف وصلاحيات رئيس الحكومة، ويقف الفيتو الشيعي حائلا دون مسّ المقاومة وسلاحها، للفيتو المسيحي بين يدي رئيس تكتل التغيير والاصلاح مغزى خاص ووظيفة مختلفة وقوة مجربة: ان يكون حائلا دون انتظام اي من المؤسسات الدستورية ما لم يكن الفريق المسيحي شريكا اساسيا ومقررا، كسواه، فيها.