قد تكون الاتصالات والجهود التي بذلت في ربع الساعة الأخير اجترحت، بعد مخاض عسير، حلاً دائماً أو موقتا لمشكلة النفايات التي أغرقت العاصمة وضواحيها والمشهد السياسي برمته، واستهلكت هيبة الحكومة ووضعتها على شفا حفرة من السقوط، وقد يكون الرئيس تمام سلام طوى استقالته التي لوّح بها أكثر من مرة في الأسبوع الأخير احتجاجاً وتوجّعاً.
ولكن الثابت أن ابن البيت السياسي البيروتي العريق قد بات يقيم على جملة استنتاجات وقناعات جديدة ربما لم تكن في حسابه أساساً فحواها الآتي:
– إن أزمة الحكومة لم تنطوِ بعد وما حصل هو فصل أولي.
– إن الذين كان سلام ينتظر منهم الدعم والرفد في الملمات قد تركوه وحيداً يتخبّط في عاصفة الأزمة بعدما أقفلوا في وجهه السبل والدروب إلى المطامر، واستطرادا الى الحلول وذلك لأمرين: أولهما مصالح وصفقات مالية، والآخر أنهم لا يريدون له أن يمضي قدماً في بلورة نموذج يحتذى ويصبح معه مرشحا مطلوبا لهذا المنصب. إن إدارة المرحلة الانتقالية التي سمي لها من الجميع لا تعني بالضرورة انها يمكن أن تمر بسلاسة.
– إن من سارع إلى دعم الحكومة وحال دون إغراقها أكثر في لجة الأزمة هم من غير الفريق الذي يفترض أن سلام ينتسب اليه، اذ لم يعد خافيا ان “التيار الوطني الحر” قد خفف حملته على الحكومة، وان “حزب الله” بادر عبر امينه العام السيد حسن نصرالله الى اعتبار بقائها ضرورة وطنية والى التحذير مما سماه لعبة خطيرة لاخذ البلاد الى الفراغ، في حين ان رئيس مجلس النواب نبيه بري أعلن من الأساس وقوفه مع الحكومة الى اقصى الدرجات والاحتمالات.
وفي كل الحالات، لم تتجاوز الحكومة السلامية القطوع الذي اجبرت على الدخول فيه، وما من معطيات توحي ان بامكانها العودة الى سيرتها الأولى، فالازمة التي كانت تواجهها الحكومة قبيل انفجار ازمة تصريف النفايات والعجز طوال اكثر من اسبوع عن ايجاد حلول لها ما زالت شاخصة بعناد ولم تطرأ خلال الساعات الماضية اية مؤشرات توحي ان بالامكان الخروج من نفقها عبر الممرين الطبيعيين اللذين لا ثالث لهما:
الأول، ايجاد الحلول الناجعة للمشكلة التي اعترضت مسيرة الحكومة وجعلتها امام وضع صعب.
الثاني، ان الفريق الذي رفع المطالب التي أدت بالامور الى هذا المبلغ من التصعيد والتعقيد بات في وارد التراجع عما بدأه والعودة عما رفعه من مطالب.
ففي مطابخ القرار السياسي لفريق 8 آذار كلام صريح فحواه ان دعوة السيد نصرالله الى اسناد الحكومة والحيلولة دون تداعيها والذهاب الى منطقة الفراغ المنطوي على الاحتمالات السلبية، لا تعني اطلاقا التضحية بالعماد ميشال عون والتراجع عن مبدأ دعمه في رحلة نضاله التي بدأها واعتبرها قضية مصيرية. فمن تمعن في الخطاب الاخير لنصرالله، ولاسيما الشق المتعلق بالشأن الحكومي فيه، وجد بوضوح ان سيد “حزب الله” تجاوز في كلامه على حراك “تكتل التغيير والاصلاح” موقع الدعم الى موقع المعني المباشر، وهذا برهان جديد على ان الحزب اذا ما وضع في موضع المفاضلة بين استمرارية الحكومة وبين إقرار مطالب عون، فإنه سيفضل حتما الوقوف مع الحليف الدائم حتى لو كان الثمن الذهاب الى وقوع الحكومة في محظور التعطيل والشلل، لأنه ممنوع ان ينكسر عون وان تدور الدائرة عليه. ولم يعد خافيا ان المعركة التي يخوضها عون مع شركائه في الحكومة، وتحديداً “تيار المستقبل”، قد أخذت في الآونة الأخيرة أبعاداً تتجاوز مسألة التعيينات الأمنية التي كانت بالاصل المطلب الحصري لعون، وهي تطورت لتصير قضية ذات أوجه متعددة:
– وجه يتصل بالعماد عون وما يجسده ويمثله في المعادلة السياسية الحالية على المستويين المسيحي والوطني.
– وجه يتعلق بالعلاقة بين أفرقاء الحكومة أنفسهم.
– وجه يرتبط بموقع قيادة الجيش.
– ولا شك في أن هناك وجهاً آخر يرتبط بمسيرة مجلس الوزراء الحالي.
وبناء عليه، فإن “حزب الله” يعتبر ان كلام نصرالله عن سلام والحكومة وضرورة صمودها في وجه عاصفة النفايات قد أعطى نتائجه المرجوة كونه استفز الرئيس فؤاد السنيورة واضطره الى الرد، وهذا يعني ان الرسالة التي أراد الحزب توجيهها قد وصلت الى عنوان المرسل اليه. واستناداً الى هذه المعطيات، فإن ثمة مصادر تؤكد ان مصير الحكومة بات امام احتمالين:
– إما إقرار آلية جديدة لعمل مجلس الوزراء، أي الأخذ بمطلب العماد عون، وهو الثمن الوحيد الذي يقبل به الحزب و”تكتل التغيير” لإطالة عمر الحكومة وفق الأسس التي بدأت بها.
– وإما القبول ببقاء الحكومة هيكلا بلا روح، أي انها تظل موجودة على أن تأخذ لنفسها إجازة طويلة فلا تعود الى الالتئام.
وثمة في فريق 8 آذار من يرى ان الأزمة الحكومية هي أولا وأخيراً أزمة “تيار المستقبل” العاجز عن إيجاد حلول سريعة لأزمة النفايات، خصوصا ان هناك من المعطيات ما يثبت انها من ألفها الى يائها هي ضمن البيت المستقبلي القاصر عن حل المشاكل التي اعترضت أساساً عمل هذه الحكومة المحسوبة عليه بشكل أو بآخر. ومهما يكن فالمشكلة من الآن فصاعداً هي كيفية إدارة الصراعات وضبط التناقضات في مرحلة الوقت الضائع، خصوصا اذا صدق احتمال ان مصير الحكومة قد صار على المحك، وان صيغة الحفاظ عليها كحاجة ضرورية قد لا تظل قائمة كما في السابق.