IMLebanon

عقدة اللاحكومة في “ممر الأفيال”

 

ليس أسوأ من الكارثة التي تضربنا سوى اللعب السياسي بنا من فوقها كأنها في بلد آخر. ولا أخطر من إغلاق “ممر الإنقاذ” الذي غامر الرئيس ايمانويل ماكرون بدفعنا الى سلوكه سوى إجبار لبنان على البقاء في “ممر الأفيال”.

 

وأي أفيال؟ أفيال “بلدية” تتصارع على الحصص في دولة فاشلة. وأفيال إقليمية ودولية تمتد صراعاتها على خريطة المنطقة وتتكثف على أرض لبنان، ولا علاقة للمنطق ولا للدستور بعقدة تأليف الحكومة وهي عقدة شديدة محلياً ومشددة اكثر خارجياً، وتبدو عصية على الفك.

 

والسؤال البسيط هو: ما معنى أن يشكو الثنائي الشيعي الذي يملك “فائض القوة” من “نقص الشراكة”؟ لماذا يوحي الفريق القوي المتحكم بالسلطة انه خائف ويحتاج الى ضمانات بينها ان يمتلك “التوقيع الثالث” عبر تطويب وزارة المال للشيعة؟ لماذا يصر على اعتبار وزارة المال مصيرية ومسألة حياة او موت؟ كيف تكون “الميثاقية” فرض مطلب لطائفة على السنة والمسيحيين والدروز المعترضين على تخصيص اية وزارة لأية طائفة؟ وكيف نترجم موقف الثنائي الذي لا يساير حتى الرئيس ميشال عون حليف “حزب الله”، وبيانات المراجع الدينية الشيعية التي تضع امامنا خياراً محدداً: إما وزارة المال وإما الذهاب الى “دولة مدنية”.

 

لا منطق يفسر ذلك، الا اذا كان الهدف المطلوب اقليمياً منع تأليف حكومة لأنه يضعف الموقف الايراني في الصراع مع اميركا عشية الانتخابات الرئاسية والرهان على سقوط الرئيس ترامب. ولا في الدستور ما يسمح بذلك، الا اذا كان المطلوب نقلة ابعد في لعبة السلطة: فراغ وانهيار بما يمهد لخلط الاوراق في ادارة النظام ثم تغيير النظام. والتشاطر مكشوف. فلا “تأنّق” المذهبية بثوب وطني يجعل الطريق الى الدولة المدنية مفتوحاً، ولا احد يصدق ان كل الاحزاب والمراجع الطائفية والمذهبية تريد بالفعل التوصل الى دولة مدنية بالمعنى الحقيقي.

 

فضلاً عن ان المهمة امامنا في المرحلة الحالية محددة وبسيطة، وان كانت الاوضاع والأزمات عندنا والصراعات من حولنا معقدة: فك العقدة لتأليف حكومة لمرحلة انتقالية تفتح “ممر الإنقاذ” وتنأى بالنفس عن “ممر الأفيال” وتمهد الطريق لإعادة تكوين السلطة، لا فك النظام واعادة تأسيسه على اساس موازين القوى. فنحن في طريق انحداري ليس امامنا سوى شجرة توقف اندفاعنا عبر الامساك بها هي المبادرة الفرنسية. ولا شيء بعدها سوى الانهيار الكامل، الذي يعيش في الاوهام من يتصور انه الوارث الذي يمسك بما بقي من البلد.

 

وما أحوجنا الى التذكير بقول الامام علي: “من العجز طلب ما فات مما لا يمكن استدراكه، وترك ما امكن مما تُحمد عواقبه”.