Site icon IMLebanon

حكومة لبنان بين معبريّ القنيطرة وجابر نصيب

 

الثالث عشر من تشرين الأول 1990، ومهما اختلفت القراءات حوله وتنوّعت التصنيفات،هو ذكرى أليمة لدخول جيش غير لبناني الى موقعيّن لهما رمزيتهما في الحياة الوطنية لأيّ دولة ذات سيادة.وهو ذكرى لارتكابات همجيّة وتصفيّات جسديّة طالت العديد من عسكريي الجيش اللبناني، وهو بداية مرحلة القبض على الدستور وتطويع الحياة السياسية في لبنان التي انتهت ظاهريّاً باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في حين لا زلنا نعيش مفاعيلها في يومياتنا السياسية. الثالث عشر من تشرين هو تجسيد  لعدم القدرة على تقدير الموقف الوطني بعد دراسة موازين القوى ليس فقط العسكرية ــــ وهي لم تكن لصالح حكومة لبنان العسكرية حينها، هذا ما يدركه القاصي والداني ــــ بل الإقليمية والدوليّة بما فيها مصالح الدول الفاعلة وأولوياتها، والقدرات المتوفرة للصمود، واتّخاذ القرار الأصوب أو لنقل الأقل تعريضاً لمستقبل لبنان للخطر على المستويات الأمنية والسياسية والإقتصادية كافة.

الثالث عشر من تشرين الأول 1990 هو محطة يجب التوقف عندها، لتقديم كل آيات الإحترام لشهداء الإنضباط والإلتزام في الجيش الذين نفّذوا ما طُلب منهم بالرغم من إدراكهم لنرجسيّة ورعونة ولامنطقية القرار المتّخذ.

مسببات فشل الوقوف بوجه التوافقات الدولية والإقليمية حينها، بشّرت بها العشرات من المعطيات بدءاً من إعلان ريتشارد مورفي ترشيح النائب مخايل الضاهر من دمشق في أيلول 1988، وفشل اجتماع اللجنة السداسيّة العربية بكلّ من الرئيسين الحسيني والحص والعماد عون في تونس في شباط 1989، واجتماع اللجنة العربية في جدة بحضور الأخضر الإبراهيمي وصدور مشروع وثيقة الوفاق الوطني بدعم أميركي سوري في أيلول 1989، ووصول 63 نائباً الى الطائف بدعوة من الأخضر الإبراهيمي، وصولاً الى إعلان إتّفاق الطائف في 22 تشرين الأول 1989 وتصديق المجلس النيابي عليه وانتخاب رئيس للجمهورية في الخامس من تشرين الثاني1989 وطلب كلّ من واشنطن وباريس احترام نتائج جلسات المجلس النيابي. كان هناك متّسع من الوقت لاتّخاذ الخيار الوطني الصحيح،والإبتعاد عن وهم القدرة على تغيير المعادلات وتجنب المعركة الخائبة وتجنيب الوطن المزيد من التجارب المرة والدماء والعبث الإقليمي والدولي.القرار الوطني كان يومها خياراً شخصياً إنفعالياً حكمته عنجهيّة فارغة اختبأت وراء عناد غير مبرر، ولم تكن  رهاناً على إنقاذ مجتمع بعيداً عن غوغائيّة من هنا وحناجر تصدح من هناك.

اليوم ومن قُبيل المصادفة تتزامن الذكرى مع صعوبات تعترض تشكيل حكومة جديدة، وسط مخاض إقليمي ودولي مفتوح على احتمالات شتّى. تعدّدت الرسائل الدوليّة للبنان منذ إنهاء الشغور الرئاسي،ولا حاجة للتذكير بمؤتمرات باريس وروما وبروكسل ومؤتمر سيدر، وصولاً الى جملة من الرسائل الدبلوماسية ذات المغزى بدءاً من انسداد الأفق الدولي أمام لبنان الذي عبّرت عنه زيارة الرئيس ميشال عون الى نيويورك، مروراً بالرسالة السلبيّة للموفد الفرنسي الى بيروت واللقاء المأزوم بين الرئيسين ماكرون وعون على هامش القمة الفرنكوفونية. هذا في الوقت الذي يُعاد فيه ترتيب الأولويات الدوليّة وخرائط النفوذ وتوصيف وظائف دول المنطقة بين حدّي العقوبات الإقتصادية والتهديد بالتّدخل العسكري.

إعادة فتح معبريّ «القنيطرة» و«جابر نصيب» تعبير واضح عن التوصيف الوظيفي الجديد «لسوريا الأسد» في المنظومة الإقليمية المتجدّدة. إعلان نيكي هايلي أنّ سوريا وإسرائيل إتّفقتا على إعادة فتح المعبر، وقد سبقها الى ذلك دعوة ليبرمان سوريا لذلك لا يعني فقط تطبيع العلاقات مع «الأسد الجديد للعام 2018» وفقاً لإتّفاقات وقف إطلاق النار في العام 1974، وتفعيل المعبر كحلقة وصل إقتصادية وإجتماعية بإشراف الصليب الأحمر، بل طيّ صفحة المنطقة الخالية من الميليشيات الإيرانية بعمق 50 كلم وتبرئة ذمّة نظام الأسد من المسؤولية عن أي وجود مسلّح مهدّد لإسرائيل في العمق السوري. وإعادة فتح معبر «جابر نصيب» مع الأردن يعني ضخّ الحياة في الإقتصاد الأردني من البوابة السورية، دون ربط ذلك بأيّ شروط تتعلّق بعودة اللاجئين السوريين لديها ودون ربط ذلك بدور الأردن الشريك الأساسي للولايات المتّحدة في إقفال معبر التنف والمنطقة المحيطة به. فتح المعبرين الى جانب تقدم التسويات في إدلب، والصراعات المتجدّدة في شرق الفرات وغربه بين الأكراد وتركيا وروسيا دليلٌ إضافيٌ على الطابع الدولي للتسويات في سوريا بعيداً عن أي تأثير لدمشق أو لطهران.

مخاض تشكيل حكومة لبنان 2018 لا يخرج عن سياق التوازنات الدوليّة المُلزمة التي أملت حتى الآن مقوّمات الحفاظ على الإستقرار الأمني والنقدي. حَمَلة العناوين الكبرى في كلّ من طهران ودمشق لا يبدون طموحاً للخروج عما تمليه هذه التوازنات ولا يحاولون العبث بموازين القوى في الوقت الذي لا يزال بعض الطامحين في لبنان يجهدون في محاولة إحياء معادلات أضحت منتهية الصلاحية.

13 /10/1990 ذكرى أليمة لفشل في اتّخاذ القرار الوطني السليم،فهل نحترم بصمت شهادة الشهداءأم نكرر التجربة؟؟؟