تكاد فرصة سماح المئة اليوم تنتهي من دون أن تحقّق الحكومة أيا من كلّ ما أعلنت أنّها ستقوم به، لا برنامج إصلاح معلن، ولا حتى ذراً للرّماد في عيون جماعة مؤتمر سيدر، أمّا مواجهة الفساد فمجرّد مزايدات، حتى الموازنة تحتاج إلى أعجوبة ، أمّا وعد الرئيس نبيه بري بالجلسات الشهريّة لمساءلة الحكومة تبخّرت في موعدها الأول، يوشك البلد أن يسقط في هاوية الإفلاس، بل بدون شكّ نحن ذاهبون باتجاهه، وستنفجر قنبلة التأجيل اللبنانيّة في وجه الجميع المستمرّين في الهروب إلى الأمام!
منذ البداية نبّهنا إلى أنّ هذه الحكومة لا تملك برنامج إصلاح، ولا مشاريع تنهض بالبلد واضحة التفاصيل، حتى بيانها المكزوز عن بيانات سابقة لم يكن أكثر من عناوين لضرورات مشهد الثّقة ليس إلا، وسننتقل خلال الأيام المقبلة إلى متابعة مشاهد التجاذب والأخذ والردّ لتدبّر الحكومة رأسها مع سلسلة أقرّتها من دون أن تؤمن مداخيلها، خزينة عاجزة، مقدّرات منهوبة نهباً منظمّاً من الأطراف كلّها التي تعلن الحرب على الفساد، دولة استنزفت مقدراته حتى آخر قطرة، و»التسوّل» على ظهرها مستمرّ من دون خجل أو شفافيّة تشرح للشعب أين تذهب أموال النهب المستمر!
أسوأ ما يواجهه اللبنانيّون هو فرق التضليل والفجور، يملك كل فريق سياسي مجموعة من «الردّيحة»، نظرة على طريقة التعاطي مع ملفّ الكهرباء والمخادعة المستمرة تحت عنوان 24 على 24 تكشف أنّ العقليّة المتحكمة بالملفات الحيويّة والتي تستنزف لبنان وشعبه هي «البلطجة»، «الرّدح شغّال» بشراسة، ممنوع أن يفتح أحد فمه أن يبدي فريق ملاحظة أو يطالب فريق آخر بتعديلات، أي إصلاح وإيقاف للهدر على عيون سيدر في ملفّ الكهرباء المخجل والذي بلغ صيته الآفاق العالميّة؟!
يقتضي العقل والمنطق أن «تتضبضب» كلّ أوراق هذا الملفّ وروائح الفضائح والسرقة الممنهجة التي فاحت ولا تزال، ولم يعد مقبولاً أن نشاهد نفس الفيلم منذ عشر سنوات وكلّما تشكّلت حكومة تعاد على مسمعنا نفس الوعود الكاذبة، مليارات نهبت خلال هذه السنوات و»المسرحيّة مستمرّة» بالرّغم من المطلب الدولي بإقفال أبواب الهدر في مؤسسة الكهرباء تحديداً المتسببة في عجز فضائحي للخزينة اللبنانيّة!
وفق دراسة للبنك الدولي كلفة الفساد في لبنان 10 مليارات دولار سنويّاً، والعجز في قطاع الكهرباء 36 مليار دولار من أصل 80 ملياراً هي نسبة العجز العام، لتحتل هذه الفضيحة الوطنيّة المرتبة الأولى في سلم التدهور الاقتصادي، ومع هذا لم يجرؤ أحد على فتح فساد هذا الملف على مدى أربعين عاماً، ولا يضحك أحد على اللبنانيين في الحديث عن امتناع مناطق عن الجباية، ورفض خصخصة هذا المرفق ليس من باب الحرص على مؤسسات الدولة بل حرصاً على استمرار النهب المنظّم!
ملف الكهرباء واحد من الكوارث اللبنانيّة اليوميّة التي تحتاج علاجاً جذرياً ولا تملك الحكومة أي مشروع في مواجهته، ويتفرّد بفرض مشاريعه فريق لبناني واحد، ثمّة ملفّات شائكة أكثر من ملفّ الكهرباء بكثير ومع هذا لا تملك الحكومة مشروعاً واحداً لحلّها، هذه حكومة لا تستعين بخبراء ومتخصصين في تشكيل خليّة أزمة على مستوى وطني، وهو أمرٌ يرتكب عن سابق تصوّر وتصميم، فشهيّة الجميع تقريباً مفتوحة للقضاء على ما تبقّى من قدرة البلد وشعبه على البقاء على قيد الحياة!