تنسج العنكبوت خيوطها، لالتقاط فرسيتها، لا لتقدم لوحة جميلة.
وهذه الحالة الغريزية، جزء مما يقلق الرئيس المكلف سعد الحريري، ومن هم بمثابة حلفائه الآن، فمن عادوا الى النفخ في اللبن، بعدما كواهم الحليب…
فالقوات اللبنانية اخذت الدرس من تفاهم معراب، الذي تحول من شراكة سياسية الى مجرد عقد مصالحة بلا مفاعيل سياسية. واللقاء الديمقراطي الذي مشى بالانتخابات الرئاسية، تم بقانون الانتخابات النسبوي المجرد من كل مفاهيم الشراكة الوطنية، حماية لمصالحة الجبل، اكتشف باكرا ان الجمل في نيّة والجمّال في نية مغايرة، وبدأ وليد جنبلاط يطيّر التغريدات باكرا، حتى كانت المواجهة الاولى مع الفريق الرئاسي في انتخابات الجبل، التي كانت محطة الافتراق الاساسية بعدما لم يجد الاعتبار المأمول للمصالحة الجبلية، وكانت معركة بنتائج لصالحه، درزيا على الاقل، ومع الشروع بالطبخة الحكومية، كان الشعور بان ثمة من يحاول مد يده على الجيب بداعي استدراك خطر الميثاقية الدرزية على الحكومة العتيدة، اذا ما قيّض لوليد جنبلاط تسمية الوزراء الدروز الثلاثة، حيث لات ساعة مندم.
اما تيار المستقبل، فقد واجه محاولات خرق الصف السني، بتعزيز صلاته مع المتضررين الآخرين رافضا اختيار وزير سني من النواب العشرة، المستقلين، عنه، مع فتح كوة تتسع لواحد، ذاك الذي قد يقع عليه اختيار الرئيس عون.
في هذا الوقت اللبنانيون حائرون، بين من يرد التأخر في تشكيل الحكومة الى لعبة الاحجام والاوزان والحقائب، وبين من يرى مربط الفرس في الخارج البعيد أو القريب. لكن سرعان ما تكشفت الامور بعد ثلاثة اشهر من الغزل على المنوال الداخلي، وظهر البعد الاقليمي للافتعالات المحلية، بين فريق الممانعة الذي حل محل الثامن من آذار، وفريق النأي بالنفس عن صراعات اهل الجوار الذي احتل موقع ١٤ آذار، وقد اختار الطرفان ساحة المواجهة موضوع تطبيع العلاقات مع النظام السوري. فريق الممانعة المتحالف مع النظام من خلال حليفه الايراني، يطالب بعودة العلاقات مع دمشق الى ما قبل ٢٠٠٥ بكل معاهداتها واتفاقاتها ومجلسها الاعلى، وبذهنية الطرف المنتصر في الميدان السوري، والفريق الآخر الداعم لحذر الرئيس المكلف وتؤدته، لا يرى الانتصار في معركة انتصارا في الحرب، وحتى لو كان ثمة انتصار ما، فهو غير قابل للتجيير لبنانيا بحكم هويته الدولية.
وايا كان المنتصر في سوريا، الروسي او الاميركي، فلن يكون له شريك أو رديف في لبنان، فالمعادلة السياسية التي يقوم عليها توجب ان يكون مستقرا، رغم موقعه الجغرافي كحاجز بين دولتين تتجاذبانه، سوريا الشقيقة واسرائيل العدوة، وكلتا هاتين الدولتين تعتبرانه خطأ تاريخيا وجغرافيا، وراحتهما الدائمة، بمعزل عن اختلاف المعطيات ان يكون غير ما يجب ان يكون.
ولالغاء الحالة اللبنانية المتعددة والمتنوعة والمتعايشة، على من يريحهم وضعه، الاثبات دائما بانه دولة غير قابلة للعيش، لكنه رغم معاناته مع التعاونية السياسية الحاكمة والمتحكمة، كان وما زال قابلا للعيش.
أهمية الشهيد رفيق الحريري، وربما سبب شهادته، تبنيه لشعار لبنان اولا، ولبنان وطن نهائي، وهي الشعارات التي غارت مع مياه السيول الاقليمية الجارفة. الاوساط المتابعة ترى ان اهم ما يحتاجه لبنان الآن لا حكومة اكثرية ولا حكومة وحدة وطنية، بل حكومة تحرر وطني، تعمل على الاعتراف به كدولة وككيان، لا الاكتفاء بترسيم حدوده، فبغياب الدولة الفاعلة، تبقى الخرائط حبرا على ورق.