ستتشكل في الأيام القادمة حكومة التحول الوطني من مجتمع النزاع الى مجتمع الانتظام، ولا داعي لمناقشة تكوينها الوزاري لأنّ وزرائها هم ممثلون حقيقيون لقوى النزاع في لبنان، والذين سيواجهون ما صنعت أيديهم في البلاد من ويلات وازمات اقتصادية ومالية واجتماعية، وسيكون لبنان في الايام القادمة امام ساعات مؤلمة بسبب تعاظم الاستحقاقات السياسية والإدارية والتشريعية والمالية، وستكون الازمة الأهم هي انعدام المصداقية بين المكونات السياسية داخل الحكومة من جهة وبين المكونات الحكومية مجتمعة وعموم الناس من جهة اخرى.
ستتشكل حكومة التحول الوطني في الايام القادمة على إيقاع طبول الحرب اللبنانية الاسرائيلية، وايضا على إيقاع نشاط القوات الدولية المانعة للحرب والراعية للمفاوضات الانتقالية، من حال النزاع في الجنوب الى حال الانتظام بكل ما تتطلبه هذه المهمة من اسباب وأدوات والتزامات، على اساس ترسيم الحدود البرية والبحرية في جنوب لبنان حيث تأسس مجتمع النزاع اللبناني منذ سبعين عاما، مما سيجعل من الاستراتيجية الدفاعية ضرورة موضوعية لكل المكونات اللبنانية والفلسطينية، لان التحول من النزاع الى الانتظام يحتم احتكار السلاح في الدولة الوطنية.
ستتشكل حكومة التحول الوطني في الايام القادمة وسيواجه اللبنانيون اثار نزاعاتهم الطويلة البالغة الاثر على تماسكهم الاجتماعي الهش على مستوى بنية الافراد والمجموعات الطائفية السياسية، وسيواجه الجميع ازمة انعدام الثقة داخل كل مجموعة وبين المجموعات، وسيعرف الجميع بان استعادة الثقة هي مهمة بالغة الصعوبة وليست مجرد شعار للاستهلاك الاعلامي، لان الثقة هي اساس الاستقرار والتحول من مجتمع النزاع الى مجتمع الانتظام، وان استعادة الثقة تحتاج الى التقدم بثبات نحو دولة القانون والمؤسسات، والشروع في ورشة تشريعية إصلاحية حقيقية بعيدا عن سلطة الأعراف والكذب والارتجال الذي ألفناه ايام النزاعات الوهمية بين الإخوة الاعداء.
ستتشكل حكومة التحول الوطني في الايام القادمة وسيواجه اللبنانيون ازمة المديونية العامة والاستهتار بقواعد العمل والإنتاج على مدى السنوات الماضية والحديث يطول في هذا المجال، وسيكون لبنان تحت الرقابة الدولية المالية الدقيقة، هذا بالاضافة الى آثار المديونية السياسية السيئة التي تسببت بها القوى السياسية على مدى عقود طويلة وتمثلت باستعطاء التمويلات السياسية والإعلامية مقابل الارتهان السياسي لدول عربية واقليمية ودولية، والذي ادى إلى تضخم الأحجام السياسية وتحطيم الإرادة الوطنية ورفع كلفة تكون حركات سياسية طبيعية بإمكانات وطنية فكرية ومادية، وسيدرك الجميع بان تشكيل الحكومة الحالية ما كان ليكون لولا الاكلاف العالية التي دفعها المجتمع الدولي لتحرير تشكيل الحكومة من الارتهانات التي تسببت بها المديونيات السياسية، من اكلاف القوات الدولية في الجنوب على سنوات طوال، الى اكلاف (سيدر) واعادة تأهيل البنى التحتية في كافة المناطق اللبنانية.
ستتشكل حكومة التحول الوطني في الايام القادمة والتي ستكون بمثابة وضع كل قوى النزاع في قفص الاتهام الحكومي، والذين يعرفون جيدا بان أدوات النزاع التي يمتلكونها أصبحت فاقدة لأسباب الحياة ، وان زمن تعاظم الثروات والنفوذ على حساب تماسك المجتمع وهيبة الدولة كل ذلك قد اصبح من ذكريات الماضي البغيض، مما يستدعي تفعيل ادوات الانتظام العام في لبنان للشروع في المحاسبة والمساءلة والرقابة الشديدة على كل من يحاول العبث بالأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي والامني والمالي، ومع تشكيل حكومة التحول الوطني سيكون لبنان بحاجة ماسة الى شجاعة الشابات والشباب وكل المؤمنين بالانتظام العام لاحتضان هذه اللحظة التاريخية والفرصة الثمينة والمشاركة في صناعة مستقبل لبنان.