الأفعى ذات الأجراس أم الفضيحة ذات الأجراس؟ لنصرخ بأعلى صوتنا في وجه أدمغة الفحم الحجري، أدمغة العصر الحجري…
متى لم تكن حكومات الوحدة الوطنية مقبرة للبنان (وللبنانيين) ؟ ومتى لم تكن تكريساً احتفالياً للفرقة وللانشقاق؟ ومتى لم تكن عرابة المافيات والصفقات؟ صفقات منتصف الليل وصفقات منتصف النهار. الأهم ربما، متى لم تكن غطاء كاريكاتورياً لدولة الكانتونات، الكانتونات الطائفية والكانتونات القبلية الرثة؟
عادة، في سائر بلدان العالم، تتشكل حكومات الوحدة الوطنية لتكون بمثابة غرفة عمليات لمواجهة الأزمات، أو المشكلات الخطيرة، لنسأل ألم يكن ذاك الطراز من الحكومات وراء خراب لبنان (واللبنانيين)، وراء زوال لبنان (واللبنانيين)؟
تلك السلسلة من التجارب المريرة. رفيق الحريري كان يشتكي من «الوزراء النيام»، نحن نشتكي من «الوزراء الموتى» . ألواح خشبية ناطقة. لا رؤية (ولا رؤيا) بل ظواهر ميكانيكية أمام ناظرينا. القلة القليلة تعمل، وهي المسكونة بآلام الناس، وبآمال الناس. من تراه لا يعلم من دخلوا حفاة الى الحكومات، وخرجوا بالأحذية (لا سيما أحذية الزوجات والعشيقات) المرصعة بالذهب؟
ولنتوقف عند «همروجة» نواب «التغيير». تغيير ماذا ؟ بطبيعة الحال، بينهم من ينطبق عليه هذا المصطلح. ولكن ألم يتبين لنا أن أكثرية هؤلاء «مخلوقات تلفزيونية»، بلغة البببغاء وبثقافة الببغاء، حين نكون بحاجة الى أن تكون صرخة الشارع صرخة المشترع…
حيال المأزق الوجودي، يعنينا كثيراً أن نعلم ما هو موقف هؤلاء من البربريات الايديولوجية التي تتربص بنا، ولقد دفعنا الكثير من الدم اما لاجتثاثها أو للتصدي لها، دون أن تتوقف عن الضرب على أبوابنا. على الأقل كلمة واحدة، كلمة واحدة فقط عن «اسرائيل»، الا اذا كان ديفيد شينكر قد أقفل الكثير من الأفواه بالشمع الأحمر.
سيناريوات كثيرة بانتظارنا، وباتت معروفة للملأ . الأزمة (الأزمات) ليست كلها داخلية، وان كانت المسؤولية تقع، وبالدرجة الأولى، على تلك المنظومة التي فعلت بالبلاد ما لا يفعله الشيطان. دعونا نستعيد قول الانكليزي ديفيد هيرست «في لبنان فقط تستطيع أن ترى الشيطان بالعين المجردة».
وكان تعقيب ساخر «في لبنان فقط، تجد الشيطان عاطلاً عن العمل، لأن هناك من يتولى القيام بمهمته على أفضل وجه»!
نريد من نواب «التغيير»، وبذلك الدخول الفولكلوري (والذي يثير التساؤلات أيضاً) الى ساحة النجمة، أن يقولوا لنا ما هو موقفهم من طروحات آموس هوكشتاين بعدما أفتى كرادلة الاقتصاد بأن مستقبل لبنان، أي مستقبل أبنائنا وأحفادنا، يقبع في تلك المنطقة التي تبغي «اسرائيل» اغتصابها، أو هي على وشك اغتصابها، ان برعاية فريدريك هوف، أو برعاية ديفيد هيل، والآن برعاية آموس هوكشتاين؟
لا داعي لتذكيرنا باننا قصاصات بشرية مبعثرة على كل اشكال الصراعات، وبأن «لا حول ولا قوة الا بأميركا» . الرسائل التي تصل الى آذان أولياء أمرنا بين الوعد والوعيد . اذا لم نأخذ بتلك الطروحات، تبقى ثرواتنا (وأزمنتنا) في القاع والى الأبد .
لامجال للرهان على أن نكون يداً واحدة في وجه من يعملون لتتويج «اسرائيل» ملكة (ومالكة) للنفط والغاز في شرقي المتوسط (من فضلكم عودوا الى «وول ستريت جورنال» والى «الفايننشال تايمز»). وكنا قد لاحظنا كيف يلهث السلطان العثماني وراء «حاخامات» القرن ولو ليكون ظلاً لهؤلاء «الحاخامات».
الآن، وكل الطرقات مقفلة في وجهنا، باستثناء طريق الجلجلة، لتكن هناك حكومة، ولتكن هناك معارضة، ولو بمفهوم أبو الزلف للديموقراطية في لبنان. ما المشكلة أن يكون هناك وزراء من خارج الثنائي الشيعي، ولو كانوا من الخندق الآخر، لنرى كيف يمكن أن تهبط علينا «المعجزة الأميركية»، وتخرجنا من قبورنا .
أليست هذه هي الشعارات التي يحملونها، بمن فيهم «نواب 17 تشرين» ؟ فلنجرب ما دمنا في الوقت الضائع، الوقت الميت، ولتسقط حكومة الوحدة الوطنية …