IMLebanon

حكومة الضرورة..

 

ترفع المعنويات أخبار رفع العقبات الواحدة تلوَ الأخرى من أمام إنضاج التشكيلة الحكومية وإخراجها إلى النور.. وتشيع أخبارها إلفة مع الظنّ السعيد المستعاد من غربته القصيّة، بأنّ المعنيين بالشأن الوطني العام على المستوى الرسمي عادوا أخيراً إلى اكتشاف فضائل التواضع ومكرمات التراخي أو “التنازل” أو التراجع “خدمة” لذلك الشأن العام!

 

“والتسوية” نبيلة وجليلة وجميلة في مبدأ الخلق ومنتهاه. وهي في الإجمال “الأهلي”، “الوطني”، “الداخلي” واجبة الوجوب وصولاً إلى اعتبار “السيّئ” منها خير من ألف ألف مواجهة “جيدة”! واللبنانيون في كل حال، عبروا نهر الأحزان من زمان! وذاقوا مرارته وحنظلاته وسواده وحتى ارتووا وطفح ارتواؤهم! والأرجح أنهم في جملتهم العريضة والرفيعة وأينما كانوا، أو تمترسوا عند يقينياتهم وانتماءاتهم وخصوصياتهم و”عنديّاتهم” وعصبيّاتهم وتحزّباتهم صاروا في المقلب الآخر حيث بديهيات ومتطلبات العيش أعلى وأولى وأبدى من بديهيات الاصطفاف الخلافي والعناد الصوّاني! وحيث انغرزت عميقاً في ذواتهم ودواخلهم “التجارب” التي لم يمرّ عليها الزمن، وفرّخت نُضجاً إجبارياً واعياً وكافياً لجعلهم يستعيذون بربّ الخلق من الشرّ وأهله! والشياطين وغوايات التمايز والافتراق والاحتراق والانتحار! ثم من كارثية الخلط بين الأسيد وماء الورد!

 

والاستدراك واجب بدوره: عدّلت الانتخابات النيابية تركيبة البرلمان رقمياً، لكنها في “الخلاصة اللبنانية” لم تأتِ بشيء جديد! ولم تُعدّل حقائق الاجتماع الأهلي (والسياسي) مثلما لم تكسر الميزان ولم تنخز حديد الموازين الطائفية والمذهبية والعرفية. ولا شيء بالتالي يدفع إلى الافتراض بأن التشكيلة الحكومية المرتقبة ستفعل شيئاً من ذلك! أو ستحدّد المصائر وتلجم البصائر! أو ستضرب بعصا موسى وتفلق مرّة واحدة جبال الأزمات المتراكمات والمخزيات والمؤلمات والموجعات! أو أنها ستتحركش “بالزير لتخرجه من البير”! أو ستُحدّد من اليوم مَن “سيكون” في الغد وبعد الغد صاحب الحظوة والأسبقية والريادة والسيادة والعمادة!

 

لكنها بالتأكيد العنيد والشديد ستستأنف السير على الطريق الذي فتحه رئيسها سعد الحريري خصوصاً منذ نحو سنتين مع إنهاء الفراغ الرئاسي.. وستعني في ذاتها وفي برنامجها الوقائي والخدماتي والتنموي والمؤسساتي سدّاً إسمنتياً صلداً في وجه الانحدار العميم الذي وصل في انحطاطه إلى الأرض وما تحتها لكن على حافّة وادٍ سحيق يعلم الضالعون والضحلون في العلم والفهم سواء بسواء مدى وحشته ووعورته وطلاسمه السوداء ومقدار الصعوبة في محاولة الطلوع منه مجدّداً إلى الضوء والحياة، وأكلاف تلك المحاولة.

 

كسب الرهان (مجدداً) أهل التسوية الرئاسية. وأهل الحوار والصدر الرحب والنيّات السليمات.. ولم تتمكن العوالق الأسدية والكيدية من التمكّن وإشاعة التخريب والفوضى واليأس والقنوط.. هذه حكومة لا منتصرين فيها ولا مهزومين لكنها رافعة أوزان ثقيلة. ودورها استثنائي أكثر من أي واحدة سابقة وخصوصاً في عنايتها المرتقبة والمفترضة بالشؤون الاقتصادية والمالية والخدماتية قبل أمتار قليلة من وصولها إلى الخط الأحمر!