بمعزل عن توقيت توليد الحكومة الجديدة وأياً كانت التركيبة التي ستأتي بها، من المفترض أن ينتهي الجدل حول كونها حكومةَ العهد أم لا. فالحديث عن اعتبارها حكومةً انتقالية وحسب لا يُقنع أحداً. إذ بمجرّد أن تستهلك ولايتها أشهراً عدة من العهد الجديد فتُعتبَر جزءاً منه. فما هي المعادلة التي تحكم هذا النقاش؟
تزامُناً مع حركة المشاورات والاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة منذ تكليف رئيسها هذه المهمة في 4 تشرين الثاني الماضي، تردّدَت قراءات تقول إنّ هذه الحكومة ليست حكومة العهد الأولى وإنّ حكومته الشرعية التي سيَعترف بها هي تلك التي ستؤلف بعد الانتخابات النيابية المقبلة وإنّ الحكومة الحاليّة هي مجرّد حكومة انتقالية لإمرار المرحلة الفاصلة عن الانتخابات والإشراف عليها بعد وضعِ قانونها الجديد.
عند الحديث عن هذه المعادلة يَظهر حجم التناقضات التي تتحكّم بالتركيبة الحكومية. فبمجرّد الإشارة الى الجهد المبذول لتتأليفها مجسّدةً المعادلات التي اسّس لها العهد الجديد بتحالفاته القديمة والمُحدَثة التي قادت الرئيس ميشال عون الى سدّة رئاسة الجمهورية في 31 تشرين الأول الماضي بعد 29 شهراً على تعطيل اعمال مجلس النواب كهيئة ناخبة كانت مهمّته الأولى والأخيرة انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية كما يقول الدستور قبل القيام بأيّ عمل تشريعي آخر .
ولهذه المعادلة مَن دافَع عنها الى النهايات اليائسة، في موازاة من رفَضها منذ بداية مرحلة الشغور الرئاسي، فكان الجدال قائماً حول حقّ النواب في تطيير النصاب ومنعِ اكتماله لانتخاب الرئيس قبل شغور المنصب وفي أثناء الشغور على حدّ سواء. ولمّا انتصر اصحاب الرأي الثاني بوصول «الرئيس القوي» الى قصر بعبدا لم يشَأ اعتبار الحكومة الجاري تركيبُها انّها حكومته الأولى. فحكومة من هي إذاً؟
عند هذه الصيغة تعترف مراجع سياسية أنّ مثلَ هذه التركيبة هي «بنت» العهد الجديد ووليدته الأولى وفق الدستور وكلّ القوانين المعمول بها.
وإنّ عدم الالتزام بهذه المقولة نصّاً وروحاً يَزرع التشكيك بدستورية التكليف والتأليف وما سبَقها من عملية انتخابية أنهت الشغور الرئاسي المتمادي مروراً بكلّ المراحل الدستورية التي رافقَت الاستشارات النيابية الملزِمة التي أجراها رئيس الجمهورية توصّلاً الى تكليف الرئيس سعد الحريري مهمّة التأليف، وهو أمر خطير لا يمكن أيّ كان التشكيك به او مراجعته، فما حصَل شكّل المعبر الدستوري الوحيد الى اكتمال عقدِ المؤسسات الدستورية وانتظام العمل في ما بينها وتكامله على قاعدة الفصل بين السلطات.
وعليه فإنّ مِن غير المعقول التشكيك بهذه المراحل الدستورية التي عبرت أياً كانت الظروف التي يمكن ان تقود اليه. فلولا إرادة النواب الذين اجتمعوا في ساحة النجمة بأكثرية ساحقة لَما انتُخب الرئيس، ولو لم يتسلم الرئيس سلطاته الدستورية ويبدأ باستشاراته لَما توصّلنا الى مرحلة التكليف. أمّا مسألة التأليف فهي مهمّة أخرى لم تكتمل بعد وإنّ التشكيك بها سياسيّ لا دستوري.
وعليه، لا يمكن فصلُ الحكومة الجديدة عن ولاية العهد الجديد، فكلّ المواقف التي رافقت توزيع الحقائب بما شهدته من شدّ حبال و«فيتوات» متبادلة لم تكن بين غرباء عن العهد، فقد كان لدى رئيس الجمهورية في بداية المشوار ملاحظات ومطالب قاربَت في جانب منها منطقَ «الفيتو» تجاه بعض العناوين السياسية وتوزيع الحقائب عدا عن المطالبة بحصّة وزارية له منفصلة عن حصة «التيار الوطني الحر» وتكتّل « التغيير والإصلاح» الذي أسّسه وقاده الى حيث هو اليوم.
وها هو الحريري ابن التحالف الذي أكملَ الإجماع على عون رئيساً للجمهورية يقوم بمهمة التأليف بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، بمعزل عن الملاحظات التي تقال من هنا وهنالك.
وتشير الى انه لم تكن له الكلمة الفصل في العديد من محطات التأليف، فكان اللبنانيون ينتظرون عودةَ وزير الخارجية رئيس «التيار الوطني الحر» و«رَجل العهد» كما سمّاه البعض من البرازيل لتذليل العقَد، ولم يكن لدى الرئيس المكلف معبَر الى حلّها.
ويضاف ذلك إلى الدور الذي لعبَه رئيس مجلس النواب نبيه بري في مفاصل التشكيل. فكانت له ملاحظات وفيتوات كان يمكن ان تكون قاتلة تَحول دون بلوغ مساعي التأليف حيث وصَلت لو لم يُستجَب لملاحظاته ومطالبه توصّلاً الى اتّهامه من جانب البعض بتجاوزِ الدستور في توزيع الحقائب عند «إهدائه» حقيبةَ الأشغال الى تيار «المردة»، ما دفعَ برئيسه النائب سليمان فرنجية المرشح السابق لرئاسة الجمهورية الى اعتبار أنّه نال حقّه من إصرار بري وتسامُح الرئيس الحريري وقبوله بالمخارج المقترحة.
ولا ينسى الذين يناقشون في هذا الأمر انّ اهلَ الحكم وفي مقدّمهم عون والحريري انتظروا في اكثر من مناسبة مواقفَ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله لتذليل العقبات وعبور المطبّات التي اعادَت مهمة الرئيس المكلف الى نقطة الصفر في بعض المراحل باعتراف الأقربين والأبعدين.
على هذه الخلفيات، يمكن القول إنّ عدم اعتبار الحكومة الحالية حكومة العهد الأولى هو كلام غير دستوري ويصحّ في السياسة دون القانون والدستور.
وإنّ ما سيعطيها شرعية «بنت العهد» ومولودته الأولى نجاحُها او عدمُه في التوصّل الى قانون انتخاب يريده العهد الجديد أن يصحّح التمثيل المسيحي ويكرّس الميثاقية لإجراء الانتخابات المقبلة على اساسه، وإلّا يمكن البحث عندها عن صفةٍ أخرى للحكومة يخشى عندها ان تكون حكومة العهد السابق او الذي سبَقه التي مدّدت للمجلس النيابي مرّتين وحالت دون التوافق على قانون جديد للانتخاب. وإلى تلك اللحظة لا خيار سوى الانتظار؟