إنتهت الانتخابات النيابية، لكنّ تحليل نتائجها لم ينته بعد. لن يكون الأمر تفصيلاً طالما أنّ مفاوضات تأليف الحكومة ستستند الى «داتا» الارقام وما أفرزته من أحجام. هنا الأرقام حتماً ستكون وجهة نظر، والمفاوضات لن تكون بالسهولة التي يتوقعها البعض خصوصاً مع وجود «شركاء مضاربين» على الطاولة إنتفخت أحجامهم مقارنة بالعام 2005.
لم يُنهَك الرئيس سعد الحريري كثيراً في «مهمّة» تأليف حكومته بعد ان يُكلفه الرئيس المنتخب ميشال عون. في 18 كانون الاول 2016 ولدت حكومة الحريري الثانية بعد شهر وأسبوعين، مسجّلة رقماً قياسياً مقارنة بسابقاتها.
فحكومة الحريري الاولى عام 2009 في عهد الرئيس ميشال سليمان إستغرق تأليفها أربعة أشهر و15 يوماً، وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011 أربعة اشهر و19 يوماً، أما حكومة الرئيس تمام سلام فعانت الأمرّين حيث ولدت بصعوبة كبيرة بعد عشرة أشهر و9 أيام!
لا يمكن التكهّن اليوم بالمهلة التي ستستغرقها ولادة حكومة الحريري الثانية في العهد الجديد. ثمّة أصلاً من يحاول أن يوحي أنّ إعادة تكليف الحريري «قيد الدرس»، مستنداً الى حجم الكتلة السنية والنيابية المعارضة للحريري، فضلاً عن تلويح قوى سياسية بأنّ التأليف سيزنّر بالألغام والشروط بناء على الاحجام المنفوخة.
أمّا لناحية تأليف الحكومة فقد صدر موقفان أساسيّان في شأنه يوحيان بعدم الإنسجام. رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قالها صراحة «تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإذا تعذّر ذلك تشكيل حكومة أكثرية، والطرف المعارض يبقى خارجها». في المقابل، عَكَس الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله موقفاً متقدّماً، بتشديده على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية بمعزل عن أيّ خيار آخر.
على المقلب الآخر، دخل الرئيس نبيه بري في صلب الموضوع مباشرة مصوّباً على «عقدة» قد تتكفّل بإطالة أمد تشكيل الحكومة «وزارة المالية للشيعة. تحديداً لـ«حركة أمل» وبالتفصيل للوزير علي حسن خليل»، فيما قابله موقف للحريري يرفض خلاله «تكريس طائفية وزارة سيادية»، مع العلم أنّ عون ورئيس «التيار الوطني الحر» من المُنادين أساساً بالمداورة في الحقائب، كذلك «القوات اللبنانية» والنائب وليد جنبلاط.
عقدة الحقائب السيادية، على رأسها وزارة المال، لن تكون سوى اللغم الأول أمام تأليف الحكومة، فسياسة الاحجام بناء على نتائج الانتخابات تفرض نفسها وهي أكثر تعقيداً، وستكون السقف الذي سينطلق منه التفاوض على «ركاب» الحكومة، مع العلم أنّ «تكتل لبنان القوي» («التيار الوطني الحر» والحلفاء) و«الثنائي الشيعي» و«القوات» والرئيس نجيب ميقاتي إضافة الى النواب المحسوبين على فريق 8 آذار والمستقلين قد ازداد عدد كتلهم في مقابل انخفاض عدد نواب كل من «تيار المستقبل» و«تيار المرده» و«الكتائب» و«القومي» و«الاشتراكي»…
في حكومة عودة الحريري الى السلطة في كانون الاول 2016، في ظل مجلس نواب شَوّهه التمديد المتتالي، لم يتمكّن الحريري من وضع اليد على «الثلث الضامن» فيما تمكّن «حزب الله» وحلفاؤه، ومعهم «التيار الوطني الحر» من نَيل 17 وزيراً، إضافة الى وزيرين لجنبلاط، 3 وزراء لـ«القوات»، وزير لـ«المردة»، وزير لـ«القومي» وزير لـ«الحزب الديموقراطي»، فيما بقيت «الكتائب» خارج التركيبة الحكومية…
كذلك لم يتمكّن يومها الحريري من فرض شروطه بتركيبة من 24 وزيراً فانتفخَت الى 30 لمصلحة فريق العهد، ولا في نَيل حقائب «نَيشَن» عليها من بينها حقيبة وزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية، وفشلت «القوات» في استلام حقيبة سيادية أو حقيبة الاشغال التي جَيّرها بري لسليمان فرنجية… كل ذلك في مقابل مطالب متصلّبة حصل عليها «العهد» والفريق الشيعي.
في حكومة الثلاثين وزيراً نال الحريري ستة وزراء. اليوم ثمّة من يشير الى رغبة فريق 8 آذار بحجز حصة للفريق السني المناوئ لرئيس الحكومة الذي خسر 12 نائباً. «كتلة ميقاتي» بلغت 4 نواب، والمحسوبون على فريق 8 آذار 9. الحريري نفسه اعترف: «توقّعتُ نتيجة أكبر وكتلة أوسع»، مع تأكيده «انّ لبنان لا يحكم إلّا بجميع مكوناته السياسية».
وفي السياق نفسه، ستتعاطى «القوات» من الند الى الند مع «التيار» في مفاوضات التأليف «بتنا من الكتل الكبرى، تماماً كما «المستقبل» و«التيار» و«الثنائي الشيعي». وبالتالي، نحن شركاء في صناعة القرار ومن هذا المنطلق سنتمثّل وفق أحجامنا»، كما تقول أوساط معراب.
لكنّ «القوات» تشترط قبل الدخول في أي نقاش حول الحقائب والعدد بضرورة ربط إعادة التكليف بحصول تفاهم سياسي أولاً بين الحريري والقوى السياسية «وبما يعنينا من الضروري أيضاً حصول تفاهم سياسي يسبق عملية التأليف، لأنّ عندنا لائحة من الملاحظات على أداء المرحلة السابقة وطريقة إدارة الحكومة الملتوية وصولاً الى تطبيق مبدأ النأي بالنفس».
إحتمال عدم حصول هذا التفاهم لن يقود «القوات» الى البقاء خارج الحكومة، إذ تقول أوساط معراب: «لدينا تجربة وزارية ناجحة جداً، ولن نقدّم خروجنا من الحكومة على طبق من فضّة لأحد، كما أنّ التوازن الوطني مطلوب داخل الحكومة ونحن لن نتنازل عن هذا الدور».
ومن الآن لا شيء يوحي أنّ حلفاء فرنجية، حتى مع تقلّص حجم كتلته الى ثلاثة، سيقبلون بانتزاع حقيبة وزارية منه، لكنّ «الأشغال» لن تبقى على الارجح في عهدة «المردة». وينسحب الأمر نفسه على جنبلاط الحليف الأول لبري. فكتلته تقلّصت من 11 الى 9، لكنّ «الموجة» التي ارتفعت بعد صدور نتائج الانتخابات ملوّحة بتكتل نيابي عريض في البرلمان سيكون بمثابة الكتلة المعارِضة، أو أقلّه المراقِبة لأداء العهد، تُنذر بتصلّب في حماية «الحقوق» الوزارية لحلفاء الثنائي الشيعي.
وبمثل التشدّد العوني الذي رافق ولادة حكومة العهد الأولى وتكرّس بـ7 وزراء، فبكتلة من 29 نائباً يتوقّع أن يرفع «العهد» و«التيار» من سقف حصتهما حتّى الحدّ الأقصى.