IMLebanon

حكومة الفرصة الأخيرة..؟

 

أرقام الثقة العالية التي نالتها الحكومة، بعد خطابات عُكازية استمرت ثلاثة أيام، لم تكن مفاجئة لأحد، لأن الوزارة تضم معظم الكتل النيابية، الكبيرة منها والصغيرة، فضلاً عن أن هذا الرقم نفسه (١١١)، هو الذي حصل عليه رئيس الحكومة، نتيجة الاستشارات الإلزامية، التي أجراها رئيس الجمهورية، وانتهت بتكليف رئيس «كتلة المستقبل» تأليف الحكومة في ٢٤ أيار من العام الفائت، أي قبل تسعة أشهر ونيّف من صدور مراسيم الحكومة الجديدة!

لا مجال لتجاهل التأثير الإيجابي لإعلان الحكومة على الوضع العام في البلد، ولو على المستوى النفسي على الأقل. ولكن التجارب المريرة علمتنا أن مثل هذا المفعول النفسي سرعان ما يتلاشى في أول فرصة تلوح في الأفق عن عدم قدرة الحكومة عن تحقيق أي إنجاز، أو عند الخلافات المعهودة عند طرح أول مشروع يحتوي من الدسم المالي ما يكفي لرفع المتاريس في مجلس الوزراء.

ورغم كل ما يمكن قوله عن تركيبة الحكومة، والمناقشات الفضفاضة في جلسات الثقة في مجلس النواب، فإن وجود حكومة أفضل بكثير من الفراغ الحكومي المدمر، وأن مواجهة التحدّيات المالية والنقدية والاقتصادية على طاولة مجلس الوزراء من شأنها أن تخفف من أخطار السقوط في الانهيار الذي كاد البلد أن يصل إليه، بسبب الصراعات السياسية الأنانية على الحقائب الخدماتية، والمحاصصات الحزبية، التي أخرت الولادة الحكومية طوال الأشهر التسعة.

وما لا يعرفه كثير من اللبنانيين، أن هذه الحكومة وُلدت نتيجة تفاهمات خارجية، دولية – إقليمية، تجاوزت العقد المحلية التقليدية، وفرضت أمراً واقعاً على الأطراف السياسية المحلية، تجلت بعض خيوطه في التعديلات التي جرت في اللحظة الأخيرة في توزيع الحقائب الوزارية، حيث تخلى الرئيس بري عن وزارة البيئة لمصلحة كتلة الوزير باسيل، وقبل الدكتور جعجع استبدال وزارة الثقافة بالتنمية الإدارية، ولم يكن أمام رئيس الحكومة سوى القبول بوزارة الإعلام التي رفضتها كل الكتل النيابية.

الواقع أن تلك التفاهمات التي لعبت فيها باريس دوراً رئيسياً، من شأنها أن توفر دعماً إقليمياً ودولياً للحكومة الحريرية، التي تلوح أمامها فرص ذهبية لتحقيق ما عجزت حكومات سابقة عن تحقيقه. أولى خطوات الدعم المباشر تمثلت بالزيارتين المتتاليتين لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، والموفد الملكي السعودي المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، حيث أعلن عن رغبة المملكة بدعم لبنان اقتصادياً، متوجاً زيارته بالإعلان عن رفع التحذير للمواطنين السعوديين بالسفر إلى لبنان، والذي كان معمولاً به منذ عام ٢٠١٧.

الخطوة السعودية لم تفتح مجال الانتعاش للاقتصاد السياحي في لبنان وحسب، بل فتحت أبواب عودة الأشقاء الخليجيين، وفي مقدمتهم مواطنو الإمارات العربية المتحدة، الذين كانوا خاضعين لتدبير مماثل من حكومتهم. الأمر الذي سيؤدي إلى ضخ حركة سيولة مهمة في شرايين القطاعات السياحية والتجارية والخدماتية المختلفة، والتي كانت تعاني من حالة اختناق محرجة في الفترة الأخيرة.

والدعم السعودي ليس جديداً بالنسبة للبنان، بل هو خطوة متجددة لنهج سعودي دائم في تقديم كل مساعدة ممكنة للحفاظ على الاستقرار في لبنان، وتمكينه من تجاوز أزماته المالية والنقدية، وتحصين جبهته الداخلية من الاهتزازات الاجتماعية، وهو ما حصل في مؤتمرات باريس أيام الرئيس رفيق الحريري، وتكرر في مؤتمر سيدر الأخير، فضلاً عن الوديعة السعودية المليارية التي أنقذت الليرة من الانهيار إبان عدوان تموز ٢٠٠٦.

ومن عناصر النجاح المتاحة أمام الحكومة الجديدة، أن حزب الله يُعتبر حالياً من المسهلين للانطلاقة الوزارية الحالية، في مواجهة تداعيات العقوبات الأميركية، ولتلبية بعض حاجات بيئته في الخدمات المختلفة، إلى جانب ضمان بقاء لبنان بعيداً عن مطبات السياسة الأميركية في المنطقة، والتي كان آخرها مؤتمر وارسو الذي قاطعه لبنان. وهذا يعني أن سياسة التعطيل التي كان الحزب ينتهجها مع الحكومات السابقة، ستحل مكانها لغة التعاون، لأن هذه الحكومة هي من الضرورة بمكان بالنسبة للحزب، في مرحلة استهدافه الحالية، والتي تنطوي على حد من المخاطر لا يُستهان به. ولعل منح نواب الحزب ثقتهم لأول مرة لحكومة حريرية أفضل دليل على الموقف الجديد لحزب الله.

ومع ذلك من السذاجة القول أن طريق الحكومة الجديدة ستكون مفروشة بالورود والرياحين، لأن التحديات التي تواجهها كبيرة وكثيرة ومعقدة، وإذا لم يتحوّل مجلس الوزراء إلى فريق عمل متجانس، أقله في فترة شهر العسل التي قد لا تتجاوز المئة يوم، يكون البلد قد خسر واحدة من فرصه الأخيرة، وبات قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الشامل!